تمضي الحياة بوتائرها المتسارعة، وتموج أحداثها بشكل واضح، ويبذل كل منا جهده للحاق بها ظنًا أن اللحاق بها يعني الفوز بغنائمها، ولكن الحقيقة تنبئ بأمر آخر مغاير تمامًا.
فأنت تسعى وتسعى للوصول لأهدافك، وقد يكون على رأسها الاستقرار المادي أو الأسري أو المركز الاجتماعي، وفي سبيل الوصول لهدفك تسير وتتحرك قد تواجهك عقبات أو عثرات، ولكنك تجاهد لتتخطاها.
وفي الأغلب، أنت تتحرك في عدة طرق متوازية أو متوالية، ولكنك في حراك مستمر، وقد يكون من المفيد لفت الانتباه لأمر أراه غاية في الخطورة.
كل خطواتك تترك وراءها أثرًا يراه غيرك ويحكم عليه من وجهة نظره، قد يختلف البعض على قيمة ذلك الأثر، ولكن الذي لا خلاف عليه هو نظرتك أنت لأثرك.
من أمثلتنا الشعبية الراسخة "السيرة أطول من العمر"؛ ومعناه واضح، فمهما طال بنا العمر كلنا راحلون، ويتبقى أثر ما فعلناه. إذا كان طيبًا ستُذكر سيرتك بشكل حسن، وإذا كان سيئًا ستُذكر سيرتك بالسوء.
من هنا تتضح قيمة ما ستتركه وتخلفه وراءك؛ لذا من الأفضل أن تترك أثرًا طيبًا حتى تكن سيرتك طيبة، وهذا لن يكلفك شيئًا بالمقارنة بما ستجنيه فيما بعد.
فكيف يكون الأثر الطيب؟ وما تكلفته؟
ابدأ بدائرتك الصغيرة، الأقارب والجيران والأصدقاء وصولًا لدوائر أكبر متمثلة في الناس الذين يمكن مقابلتهم صدفة، فحسن المعاملة من شأنه تطييب خاطر الناس.
وما أجمل أن تسلك هذا الطريق؛ فكلمة طيبة كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
تخيل أن يصل مدى كلمتك الطيبة لعنان السماء.
إذا سعيت أن تجعل هذا المسلك منهجًا لسلوكك؛ ستحظى بحب الناس، وكذلك احترامهم وتوقيرهم.
وقد يظن البعض أن التعالي عليهم ومعاملتهم بغرور يضفي على الشخصية بريقًا ووجاهة، ويجبر المتعامل معها على احترامها.
قد يشعر صاحب هذه الشخصية بتميز، ولكنه شعور زائف؛ لأن الناس سوف تبتعد عنه رويدًا، رويدًا، وصولًا لاجتناب التعامل معه وحينما يكتشف عزوفهم عنه، سيتملكه شعور بالإحباط والندم جراء ما اقترفه من سلوك بغيض ومقيت، لم يجن من ورائه سوى امتعاض الناس منه.
الأثر الطيب ليس في الكلمة الطيبة فقط؛ ولكنه يمتد ليشمل أفعالك، فإذا كنا مؤمنين بيوم الحساب، وأن من سيعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره، فاعلم أن الطرق التي تسير بها ستشهد عليك، فإن أحسنت إليها كانت معينًا لك، وإن أسأت إليها كانت همًا عليك.
فاحترام الطريق بالحفاظ عليه؛ وعدم إلقاء مخلفاتك فيه، من أفضل أنواع الأثر الطيب الذي يتغافل عنه الكثيرون من الناس حتى إن بعضهم يتعامل مع الطرق على أنها سلة قمامة يقذف بها ما لا يرغب فيه من نافذة سيارته بشكل مستفز، وكذلك الحال في كثير من المناطق في بلدنا حتى أضحت القمامة كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنىً.
حتى احترامك لآداب المرور له مردود طيب عليك من ناحية ستلقى احترام الناس لك، ومن أخرى ستصل وجهتك بأمان؛ فكلما حرصت على سلامة من حولك وُضع ذلك في رصيدك وكان سندًا لك وقت حاجتك، فأنت دائمًا في حاجة للناس؛ لأنك لا تعيش بمفردك.
الأثر الطيب يتجسد في زرع بذرة طيبة في تربة حسنة، وقد يكون بوضع لبنة في دار أيتام ومساعدتهم بقدر المستطاع، أو سد رمق جائع أو كسوة بردان أو علاج مريض محتاج لا يملك نفقات علاجه أو المساعدة في إعالة أسرة فقيرة.. والأمثلة كثيرة ومتنوعة لا يمكن حصرها.
ولكن ما يمكن تأكيده هو أن الأثر سيكون صديقك الوفي الوحيد، الذي لن يتركك يومًا حتى إذا تركك الجميع، سواء طيبًا أو سيئًا فاحرص على أن يكون صديقك طيبًا.
[email protected]