عطفًا على مقالي السابق، المتسائل فيه متعجبًا، من أين يستقي شبابنا ونشؤنا أخلاقهم؟ أقول إنه كان هناك الكثير من المطالبات والنداءات بإعادة بناء الهوية والشخصية المصرية، وأضم صوتي لهم مؤيدًا، فلقد مسخت عقولهم وأفكارهم، وتلوثت أفئدتهم وتشربت بما أملوه وأدخلوه فيها الغرب بأفكاره المعسولة اللينة، وبشباكهم الخبيثة التي حاكوها ونسجوها بعناية وإتقان لنشئنا، فوقعوا فيها بكامل إرادتهم وطواعيتهم.
يمتد تساؤلي لأولي المسئولية عن شبابنا، لماذا لا يأخذون قدوتهم الحسنة من ديننا ونبينا، خير معلم، وخير قدوة، الذي لم يترك واردة ولا شاردة إلا أخبرنا عنها ناهيًا، أو آمرًا باتباعها، مستلهمًا أمره من ربه الكريم سبحانه، القائل: " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ"، كما أن هناك الكثير من موسوعات الأخلاق الإسلامية، وموسوعات الحكم والمثل والمبادئ، يمكن أن يستعيض بها شبابنا ونشؤنا عما يتلقفونه من الغرب في ذلك.
هناك أيضًا السفر النفيس للشيخ محمد الغزالي.. (جدد حياتك) فهو يغنيه عن كل الطروحات الغربية التي تجذب الشباب جذبًا، وهم لا يدرون ما خُبئ لهم بين السطور، وكما لا يخفى عليكم أن كتاب الشيخ الغزالي هذا، هو التوجيه الإسلامي لكتاب كارينجي (دع القلق وابدأ الحياة)، فحبذا لو وجهناهم لقراءته، كما أن للدكتور عادل هندي - المدرس بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة - تجربة فريدة في رسالتيه، للماجستير والدكتوراه، فالأولى كانت في تكوين الشخصية الإيجابية بالمقارنة مع أعمال مؤلف غربي بعنوان: "أعمال ديل كارنيجي المتعلقة بتكوين الشخصية الإيجابية.. دراسة تقويمية في ضوء الإسلام"، والثانية جاءت تحت: "إعداد القيادة بين الفكر الإسلامي والفكر الوضعي.. دراسة مقارنة"، فكانتا مثالًا حيًا لما ما نحن بصدده.
هناك أيضًا من مدربي التنمية البشرية من استطاع توظيف سيرة نبينا محمد "صلى الله عليه وسلم" وصحابته، وقادة الفكر والإصلاح المسلمين عبر تاريخنا الإسلامي، وحضارتنا الإسلامية، في بيان النجاح وتعليم الحياة بأعبائها وخبراتها وسلوكياتها الحميدة، فوضعوا علمًا جديدًا مهمًا للأمة، صغيرها وكبيرها، هو علم التنمية البشرية الإسلامية.
المفكر والمصلح الاجتماعي الدكتور حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة عميد كلية دار العلوم الأسبق، له رأي مهم جدًا في ذلك، كان قد أخبرني به مسبقًا، وهو اقتناعه التام بفكرة مؤداها أن نوزع القيم والمبادئ الأخلاقية الإسلامية على سنوات الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية، عبر مناهج دراسية بسيطة، ومجموعها اثنتا عشرة سنة، بحيث نقدم للتلاميذ في كل سنة دراسية قيمتين أخلاقيتين أو ثلاثًا يتم الالتزام بها، ومشاركة الأساتذة لهم فيها، تطبيقًا عمليًا وسلوكيًا ودراسيًا.
في مقدمة الكتاب طرح المؤلفان مجموعة من الأخلاق التي ينبغي على المرء أن يكتسبها ويطبقها في حياته مثل أهمية التصرف بلطف وكرم وإحسان مع الآخرين، واكتشاف معنى الرضا والإشباع النابعين من تقدير المتع البسيطة والاستمتاع بها، عبر مجموعة من القصص والاقتباسات، جلبًا للشفاء والهدوء، وحثًا على التغيير، ومكافأة على الجهد، ومساعدة على العيش بحكمة، وكل تلك الأخلاق حفل بها ديننا بتوجيهات نبينا محمد "صلى الله عليه وسلم" وأخلاقه وصحابته وحضارتنا الإسلامية، ويكفي النبراس النبوي الذي وضعه لنا في تمكين علاقتنا بالآخرين في قوله "صلى الله عليه وسلم": "لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"، وقوله: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة".
أليس هذا هو عين الإحسان والتصرف بلطف وكرم وإحسان مع الآخرين، كما يقصد المؤلفان؟ وفي خلق الرضا الذي ينشده المؤلفان، يقول معلمنا وقدوتنا، "صلى الله عليه وسلم": "ذاق طعم الإيمانِ: من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا"، وفي الرضا والإحسان إلى الآخرين معًا، قوله لأبى هريرة: " قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من يأخذ من أمتي خمس خصال، فيعمل بهن، أو يعلمهن من يعمل بهن؟ قال: قلت: أنا يا رسول الله، قال: فأخذ بيدي فعدهن فيها، ثم قال: اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب".
رسالتي وندائي لكل من حمّله الله أمانة شبابنا، من ولاة أمورنا، وعلماء الأزهر والأوقاف، ومدربي التنمية البشرية في كل محافظاتنا المنتشرة طولاً وعرضًا بالبلاد، وجهوا حديثكم وجهدكم إلى شبابنا ونشئنا في القضايا الهادفة والأخلاق التي جاء بها ديننا ونبينا الكريم، التي وسعت وشملت ليس الإنس والجن فحسب، بل الحيوان والجماد، عرفوهم بخطر ما يستقونه من فكر غربي حتى وإن كان به إكسير الحياة والنجاة، أخبروهم وعلموهم أن صلاحهم ونجاتهم وسعادتهم في حياتهم وأخراهم في اتباع مبادئ دينهم ومثله ومعروفه ونواهيه، انزلوا إليهم في جامعاتهم، ومدارسهم، وأنديتهم، ومراكز الشباب، خصصوا خطب الجمعة ودروس ما بعد الصلاة بالمساجد لذلك، اعقدوا لهم الكثير والكثير من الدورات التدريبية التنموية الشاملة مجانًا، محتسبين أجركم إلى الله، صلاحًا لهم، ولمجتمعنا، وحاضرنا ومستقبلنا، أكثروا من طباعة الكتب وعقد البرامج الفضائية التي تتحدث عن الشخصية المصرية السوية ومقومات ذلك، إنارة لشبابنا وأطفالنا الطريق بتعريفهم وإرشادهم للقدوة الحسنة في ديننا وحضارتنا الإسلامية والمصرية من قادة وأرباب فكر وصلاح مجتمعي، ومعيننا الإسلامي والمصري لا ينضب أبدًا.. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.
[email protected]