كانت السينما المصرية أحد مصادر الدخل القومي لمصر في الخمسينيات، وكان التليفزيون المصري هو تليفزيون كل العرب إلى عقود قريبة، وكان للمسلسل المصري تأثيره الكاسح من المحيط للخليج لدرجة خلو الشوارع في كثير من بلدان الوطن العربي خلال عرض المسلسل المصري، وكان نجوم الغناء المصري ومازالوا رغم رحيلهم هم نجوم الوطن العربي.
وأيضًا نجوم المسرح المصري من الكسار إلى إسماعيل ياسين إلى زكي طليمات إلى يوسف وهبي إلى مدبولي والمهندس إلى عادل إمام، وكان للإذاعة المصرية تأثيرها الكبير في الوجدان العربي ولصوت العرب تحديدًا دورها في تجميع العرب مع الثورة المصرية، وللصحف المصرية ومحرري وكتاب الأهرام بوجه خاص تأثيرهم الكبير على كافة شعوب عالمنا العربي.
وبوجه عام كانت الثقافة المصرية تمثل الرصيد الضخم للثقافة العربية بوجه عام؛ فالقاهرة هي عاصمة الفن والثقافة للوطن العربي والطبيعي أن تكون هذه المصادر المتعددة للقوى الناعمة مصدر ثروة كبيرة لمصر مادية ومعنوية معًا ولا يعقل أن تكون مصدرًا للخسارة فكيف لتليفزيون مصر أن يخسر؛ لأن البرامج الرياضية مربحة والدينية في بلد بها الأزهر وعلمائه يجب أن تصدر لكافة العالم الإسلامي، وأن تكون مربحة المسلسل أو الفيلم أو الأغنية المصرية يجب أن تكون مربحة.
إذا كانت الإدارة واعية فهل مسلسل مثل الكعبة المشرفة أو محمد رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، يخسر ولا يربح، أو مسلسل الحلمية أو الهجان أو غيره يخسر كيف؟!
ومن هنا أهمية البحث عن إدارة مستنيرة وقادرة على الاستفادة بهذه الثروات المهدرة.. فهل مصر اليوم المائة مليون، وبعد نشأة أكاديميات للفنون ودراسات عليا في مختلف مجالات الثقافة والفنون تعجز اليوم على أن تخرج مواهب جديدة في كافة المجالات، وهذا يستلزم تواجد الدولة في كافة هذه القطاعات وعلينا مواجهة انتشار الفن التركي الذي يتزايد نفوذه وعلى حساب الفن المصري وخاصة في الدراما.
والأخطر مواجهة الفن الإسرائيلي القادم سريعًا، حيث أشارت بعض الصحف الإسرائيلية إلى أن تل أبيب أنهت الاستعداد لإطلاق 23 قناة ناطقة باللغة العربية، وتتنوع ما بين سينما وغناء ورياضة ودراما وأطفال وسياسة، وأنه سيتم إطلاقها عبر أقمار صناعية عربية لتصل إلى كل أسرة عربية من المحيط للخليج؛ مما ينذر بعواقب وخيمة إذا لم تتدارك مصر بوجه خاص والعالم العربي بوجه عام خطر ذلك على ثقافة النشء والأجيال المقبلة، ومن هنا أهمية قيادة مصر لوطنها العربي في وضع إستراتيجية محددة لمواجهة ذلك، ومن هنا خطورة إهمال الفن والثقافة المصرية بوجه عام فهي ليست مجرد ثروة مهدرة.
بل إن الفراغ الذي نتركه يستغله الأعداء ليحل محلنا ليسيطر على عقول شبابنا، ويشكل وجدان وثقافة الأجيال المقبلة، ومن ثم فهي قضية أمن قومي مصري عربي، والإدارة الواعية النزيهة قادرة على النجاح الأدبي والمادي معًا، ودائمًا النجاح أو الفشل في مصر مرتبط بالإدارة، ومصر تملك العديد من المزايا أولها لغتها العربية وتاريخها فضلا توافر خبرات وخبراء في كافة هذه المجالات، وبالطبع يمتد الاهتمام للتكنولوجيا الحديثة والرقمية والإلكترونية كوسائل حديثة للعرض ولا يمكن تجاهلها، وخاصة للشباب والأجيال المقبلة والكتاب المصري دوره المهم، ودور مكتبة الأسرة يمثل نموذجًا ناجحًا يجب تدعيمه وتوفيره لكل مواطن.. والله الموفق.