Close ad

كتاتيب "الشيخ مجلي".. ولغة "الفيس بوك"

8-12-2018 | 00:10

غابت عن قرى مصر ونجوعها - بل وفي المدن أيضًا - ما كان يعرف بالكتاتيب، والتي كان لها الفضل في نبوغ الكثيرين من مشايخنا الكبار، ومرتلي القرآن، ومجوديه..

فقد درس بها أصول اللغة أدباء كبار مثل رفاعة الطهطاوي و طه حسين والعقاد كونهم من صعيد مصر؛ حيث كانت تنتشر "الكتاتيب" بكثرة، وتكاد تكون هي البديل عن المدرسة لأماكن تخلو منها أبنية تعليمية؛ لأنه لم تكن في الستينيات والسبعينيات، بل وحتى مع بدايات الثمانينيات توجد مدارس بكل القرى، فيعلم الناس أبناءهم في مدارس القرى المجاورة..

و"الكتاب" أو "المقرأة" قديمة جدًا يرجع تاريخها إلى العصر الأموي، ووجدت في الحضارات السابقة كتاتيب ملحقة بالمعابد الفرعونية، وعرفت باسم "مدرسة المعبد"، وكانت تمنح شهادة للدارس تسمى "كاتب تلقى المحبرة".

وفي العصر المسيحي استمرت الكتاتيب أيضًا لتعليم أجزاء من الكتاب المقدس والمزامير، وجرت العادة أن تلحق الكتاتيب بالمساجد، أو منفصلة أو في بيوت المحفظين، ومنهم من كان يقوم بهذا المجهود بدون أجر، أو بأجور زهيدة، والعادة إنها أجور سنوية تعطى مع مواسم الحصاد، أو في الأعياد ..

غابت هذه الكتاتيب، وتراجع مع غيابها الاهتمام بأصول اللغة العربية للنشء، إذ كان التلميذ في مرحلة الابتدائية يعرف كل أصول النحو والصرف دون أن يتعلمها من مدرسة، فيتحدث بالنصب والرفع، ويعرف الصفة والموصوف، مما تعلمه على يد شيوخ الكتاتيب.

وكان في قريتنا "دكران" مركز "أبوتيج" التابع لمحافظة أسيوط في السبعينيات من علم معظم أبنائها كيفية قراءة كتاب الله "القرآن الكريم" قراءة صحيحة ودقيقة، وهو الشيخ مجلي، وكان أهل القرية يخشونه ويرونه المعلم الأكبر، وكان خطيبًا للمسجد الملحق به الكتاب، وخلفه بعده نجلاه الشيخان سعودي وحسن، وتعلم على يديهما أيضًا من الجيل الذي تلي ذلك الكثيرون.. حتى توقفت بعدهما الكتاتيب، ولم تعد موجودة تقريبًا في قرى مصر قاطبة، وإن كانت قد استبدلت في أماكن ما بما يسمى بمعاهد تحفيظ القرآن، وبالمحفظين والمحفظات، وهم حاليًا موجودون بكثرة، ويعملون بأجور معينة.

ولكن لا يمكن أن تتساوى الحالة التي كان عليها أداء شيوخ الزمن الماضي، باليوم فقد بدأت بأدوات بدائية جدًا، فكان في البداية اللوح الصفيح هو ما يكتب عليه، ثم دواة الحبر، وتصنع الفرشاة من الغاب، ثم تطور الأمر للكراس.

وأذكر أنه كان إن رآنا الشيخ في شارع ما نلهو، نخشى الذهاب إلى الكتاب في اليوم الثاني، حيث يقع علينا العقاب مضاعفًا حال الخطأ في القراءة، ومن ثم كنا نتلمس خطاه، حتى لا يرانا، وتعلمنا على يديه "رحمه الله" الكثير..

وقد رسم أديبنا الكبير طه حسين صورة بديعة للكتاتيب في روايته "الأيام"، التى حكى فيها مشواره منذ الصغر، ولعل كل أدبائنا الكبار - رحمهم الله - عاشوا تلك الحالة، وهو ما أسهم في نبوغهم الفكري والأدبي.

غابت صورة المعلم المجاني الذي كانت الأسرة تلجأ إليه في القرى لتعلم أبناءها بقليل من المال، أو حتى تطوعًا، وقد تأثرت الأجيال بغياب هذا المعلم، فضعفت معها قدرة الكثيرين على فهم قواعد اللغة وأصولها للصغار، برغم ما يقوم به الأزهر الشريف من محاولات هي لمن يلتحقون به فقط، وكليات اللغة العربية، أيضًا لمن يلتحقون بها، وطفت على السطح لغة "الفيس بوك"!!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: