"يا جارية اطبخي.. يا سيدي كلف"، بهذا المثل الشعبي، ألقى النائب كمال أحمد عضو مجلس النواب، حجره في مياه أموال المعاشات الراكدة، موجهًا حديثه إلى الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، في جلسة مناقشة إدارة أموال المعاشات بالبرلمان المنعقدة الثلاثاء الماضي، مستطردًا حديثه لها قائلا: "المجلس هو المعني بالموافقة على مخصصات المعاشات في الموازنة، ما الذي يمكن أن نفعله، نريد أن نعرف حجم مديونية الدولة لدى أصحاب المعاشات؛ لأن الدولة أخذت من أموال أصحاب المعاشات ومولت بعض المشروعات، هذه الأموال كانت بتروح لبنك الاستثمار القومي، ووزارة المالية تجيلها الفلوس وتنفق الفلوس، نريد الإفصاح عن معدل الفائدة الذي يعطيه بنك الاستثمار القومي للوزارة، هناك إهدار في الإدارة المالية لأموال المعاشات، ومطلوب الآن مؤسسة منفصلة عن الوزارة في إدارة شئون المعاشات، تتكون من المعنيين من أصحاب المعاشات، وأقول للحكومة آن الأوان لتحقيق ذلك".
يا سبحان الله، أخيرًا تذكر مجلس النواب وأعضاؤه ورئيسه أموال المعاشات، خلال مناقشتهم لطلبات إحاطة حول منظومة المعاشات، وأنه ينبغي أن تكون هناك إدارة اقتصادية محترفة مستقلة لإدارة هذه الأموال واستثمارها بشكل أفضل دون تحميل ميزانية الدولة أي أعباء إضافية، كما هو منصوص عليه في الدستور، تعقيبًا من الدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، وأن هناك دولًا عربية أدارت صناديق التأمينات والمعاشات الاجتماعية الخاصة بها إدارة اقتصادية رشيدة، وأصبحت لديها استثمارات بالخارج والداخل، دون أن تُحمل الخزانة العامة للدولة مليمًا واحدًا، وأن هذا لو حدث عندنا فستدر عائدًا كبيرًا، ولن نحتاج لدعم الدولة للمعاشات وقتها.
وكنت أرغب من الدكتور علي عبدالعال أن يوضح للوزيرة غادة والي، ما طبيعة تلك التجارب للاستفادة منها، وإن كنت أعتقد جازمًا أن ببلادنا خبراء اقتصاديين يملكون من الفكر الإستراتيجي التنموي ما يمكنهم من إدارة تلك الأموال، وجعل أصحابها من أغنى الفئات بالمجتمع، دون تحميل الدولة أي أعباء على مواردها الاقتصادية، ودون إخراج مليم واحد من خزانتنا العامة.
واعترافًا بالحق، فإن هناك أصواتًا برلمانية تطالب بإنصاف أصحاب المعاشات كالنائب كمال أحمد، ومن قبله النائب الدكتور محمد عبدالغني، الذي تقدم بطلب إحاطة موجه لوزيرة التضامن الاجتماعي ووزير المالية، في الثاني عشر من الشهر الجاري، بشأن أوضاع أموال أصحاب المعاشات، المقسمة بين كل من وزارة المالية، وبنك الاستثمار القومي ووزارة التضامن الاجتماعي، كاشفًا أنه لم يتم الحديث عن 162 مليار جنيه تعتبر دينًا عامًا للحكومة لأصحاب المعاشات الذين يمثلون وفقًا للتقارير الرسمية، ما يقرب من 10 ملايين نسمة، دون أي عائد منذ عام 2006 حتى الآن، وهو ما قد تصل قيمتها حاليًا إلى ما يزيد على نصف مليار جنيه، فأين تلك الأموال؟ وما هو مصيرها؟، مشددًا على ضرورة إطلاع البرلمان على إستراتيجية وزارتي المالية والتضامن الاجتماعي، لإعادة أموال أصحاب المعاشات التي تم الاستيلاء عليها لخدمة الموازنة العامة للدولة دون مراعاة حقوق أصحاب تلك الأموال واستفادتهم بها.
جميل كل تلك الإحاطات والاستجوابات، لكن الأجمل والأروع منه أن يكون هناك تحرك فعلي ملموس لاستثمار أموال المعاشات، رأفة ورحمة بالمحالين إلى المعاش، والذي وصل الحال بالكثير منهم إلى تحت خط الفقر، ووصل معاشهم إلى ما هو أقل من الحد الأدنى للأجور والمرتبات، في ظل الارتفاع الرهيب الملموس لأسعار السلع، ووصول الكثير منهم إلى سن الشيخوخة، ومعاناتهم من الأمراض المزمنة من ناحية، والتباين الكبير في ارتفاع قيمة معاشات فئات أخرى بالمجتمع من ناحية أخرى.
يقول البدري فرغلي، رئيس اتحاد أصحاب المعاشات: نحن كأصحاب المعاشات نعاني من انهيار إنساني وبدني ومعنوي، نتيجة تآكل معاشاتنا بفعل التضخم والأسعار، ويسقط يوميًا عشرات الموتى من الفقر والجوع والمرض.
فالرحمة الرحمة بهم، والتحرك الجاد الفعال الملموس، يا حكومة، ويا نواب، ويا وزراء معنيين، لأن هذا حقهم عليكم جميعا، وحماية اجتماعية لازمة لهم، وليس استجداء يستجدونه منكم، نظير كفاح سنين عديدة خدموا فيها البلاد، وإنصافا ورفعا لظلم وقهر واقع عليهم، وكما صرح النائب خالد مشهور، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، أن أصحاب المعاشات هم أحد فئات الشعب المصري التي لابد أن تخضع لإجراءات الحماية الاجتماعية، وأنهم عانوا من التهميش وإهدار حقوقهم على مدار العقود السابقة.. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.