كثيرًا وحتى هذه اللحظة أستغرب من وضع قصر المنتزه فى الإسكندرية.. ذلك القصر كأنه يقف كقلعة حربية فى مواجهة ممشى الكورنيش الطويل الجميل المطل على البحر والذي يبدأ من قلعة قايتباي.
وضع غريب لقصر جميل بحدائقه وأسواره، كمن قرر فجأة أن يُنهي طلة المصريين المباشرة على بحر الإسكندرية المنعش الصافي.. أو كمن وقف فى حرب مع الكورنيش حتى جعله يستسلم وينتهي تحت أسواره.
للحقيقة كورنيش الإسكندرية بُني بعد قصر المنتزه.. فقصر المنتزه بناه الخديو عباس حلمي الثاني عام 1892 م.. أما الكورنيش فتم البدء فيه بداية الثلاثينيات من القرن الماضي في عهد الملك فؤاد الأول.
أي أن القصر سبق الكورنيش بنحو 40 سنة.. هل بذلك أظلم القصر؟!.. هل أتهمه بما ليس فيه؟! .. أعتقد لا!!
فربما لو لم يكن موجودًا لامتد الكورنيش حتى أبوقير.. وربما زاد على ذلك طولا حتى وصل الإسكنرية من أولها إلى آخرها.
وميزة هذا الكورنيش أنه منع مئات المباني الخاصة من أن تكون على البحر مباشرة.
وضع الكورنيش مع القصر يذكرني بالمشروع الجديد الذي أطلقته الدولة ممثلة فى وزارة الموارد المائية والري، والتي قررت أن تعطي للناس متنفسًا لرؤية النيل.. وتهدم مئات المباني المطلة على النيل.
فقد قررت الوزارة مواجهة التعديات على مجرى نهر النيل، من قبل أصحاب الكافيهات والمقاهي والباعة الجائلين، بإطلاق مشروع "ممشى أهل مصر"، وهو المشروع الذي يستهدف تطوير الوجهات النيلية على امتداد نهر النيل من أسوان وحتى القاهرة.
والمعنى أن مشروع الممشى يشبه كورنيش الإسكندرية، ولكن على النيل، بدلا من البحر.
يتيح للجميع رؤية النيل بجماله وهدوئه وصفحات مائه الرائقة المنسابة.
"ممشى أهل مصر" فكرة عظيمة تقضي على كثير من العشوائيات على ضفتي نهر النيل.. فكرة لإطلاق العنان للمواطنين ليروا النيل الخالد.. ربما يتذكرون كل الأغاني والقصائد التي قيلت فيه.. بدلا من اصطدام خيالهم بكتل أسمنتية صماء.. أو هواء المقاهي الملوث.
الممشي سيكون تقريبًا فى كل محافظات مصر المطلة على النيل، فى القاهرة هناك مسافة بطول 1188 مترًا من كوبرى قصر النيل، وحتى كوبري 15 مايو، ثم المسافة من كوبري 15 مايو، وحتى كوبري إمبابة بطول 1600 متر.. وفي سوهاج بين كوبري أخميم سوهاج وكوبري سوهاج الجديد.. وفي المنيا وأسيوط ودمياط والدقهلية والقليوبية وقنا.. وهكذا يزيل الممشى العشوائيات ليعطي براحًا لخلق الله.
لننتظر ونرى ونأمل أن يكون "ممشى أهل مصر" نافذة هواء وضوء وخير لأهل مصر.. وكما كان كورنيش الإسكندرية عظيمًا وعبقريًا.. نتمني أن يخرج الممشى عبقريًا هو الآخر.