Close ad

هل أنت سعيد؟!

14-11-2018 | 23:29

سؤال قد تسمعه همسًا، أو جهرًا، وفي أحايين كثيرة قد تحدثك به نفسك، لاسيما وأن الحياة، متواترة بأحداثها، لا تتوقف برهة واحدة لالتقاط الأنفاس، فما بين الشروق والغروب، ساعات، ولكنك كثيرًا تشعر أنها لحظات.

فإذا سألت مجموعة من الناس هذا السؤال، من المؤكد أن غالبيتهم ستكون إجابتهم واحدة، وهي غير سعيد، برغم أنهم مختلفون في العمر والجنس والمركز الأدبي والمادي، وكذلك الثقافي.

لأننا دائمًا لا نرى ما نملكه، وننظر فقط إلى ما لا نملكه، فمن لا يستطيع السير، يرى السائر أفضل منه، وقد يعتقد أنه سعيد مقارنة به، منذ فترة قصيرة، شاهدت فيديو لأحد الأطفال، ملابسه رثة وحذاؤه مهترئ، كان يسير، ثم قرر أخذ استراحة، وقرر الجلوس على أريكة، كان يجلس عليها طفل في نفس عمره تقريبًا، ملابسه جميلة ومنظمة، وحذاؤه جميل وجديد، فما كان من الطفل الآخر، عندما نظر إليه ووجده بهذه الحال، إلا أن تمنى أن يكون مكانه، فحقق الله رجاؤه، وبعد برهة، جاءت سيدة تجر أمامها كرسيًا بعجل، وحاولت أخذ الطفل الذي تمنى أن يكون مكان المهندم، بعد أن تغير مظهره تمامًا للنقيض، ولم يمر وقت كافٍ، ليسعد بملابسه الجديدة، حتى رأى السيدة قادمة نحوه، تريد أن تُجلسه على المقعد المتحرك.

ليكتشف أن الطفل الذي تمنى أن يكون مكانه قعيدًا، يعجز عن السير، فتملأ الحسرة والندامة وجهه، أما الطفل الآخر، بعد أن تبدلت ملابسه النظيفة للرثة، وجد نفسه يتحرك ويجري، لترتسم السعادة على وجهه، وينتهي الفيديو بنظرة الطفل القعيد، للطفل السعيد، متمنيًا استعادة وضعه السابق!

أيضًا أعرف أحد الأثرياء، يشتهى أكل طبق الفول، كاشتهاء المعدم لأكل قطعة لحم، الأول برغم قدرته على شراء الفول، طبيبه يمنعه من تناوله لسبب طبي، والثاني لا يمنعه عن أكل اللحمة، إلا عجزه عن شرائها.

ويظل البحث عن السعادة، طريق يسير فيه جميع الناس، دون إدراك أنه طريق بلا نهاية، فقد تكون السعادة لشخص ما متمثلة بوجود صديق وفي، برغم وجود عشرات الأشخاص في حياته، ولكنه يفتقد للصديق، وربما يكون من بينهم، الصديق الوفي، ولكنه لا يشعر بوجوده، لأنه كامن لديه شعور داخلي بعدم وجوده.

وشخص آخر، يفتقد وجود أبناء، ويتمنى أن يرزقه الله بهم، فهو يعلم تمامًا، أن زينة الحياة الدنيا المال والبنون، وهو يشاهد الناس من حوله يتمتعون بهده النعمة، ولا يعلم لماذا حرمه الله منها، ولا يرد بخاطره أن ما حرمه الله منه، قد يكون لصالحه.

وهناك سيدة رزقها الله بزوج، كل ما تراه فيه هي نواقصه، مقارنة بما تشاهده من زوج صديقتها، ولا تعلم أن ما لا تراه منه، قد يكون أكثر إيلامًا مما تراه من زوجها، ولو فكرت قليلًا في ميزاته، قد تكتشف صفات حميدة، تتمناها غيرها.

الأمثلة التي يمكن ذكرها في هذا الإطار كثيرة ومتنوعة، وأثق أن كل قارئ من حضراتكم لديه نموذج يصلح لأن يكون مثالاً، يبين أننا جميعا قد نملك مقومات أو أدوات من شأنها إدخال البهجة والسعادة إلى قلوبنا، ولكن كل ما نحتاجه، هو التأمل فيما نملك؛ لأنه من المؤكد أنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض يملك كل شيء، دائمًا هناك شيء ما ينقصه، ويجاهد ويُعافر للوصول إليه، ظناُ منه أن امتلاكه يعنى الفوز بالسعادة.

وما ربك بظلام للعبيد، آية كريمة، التدبر في معناها، قد يكون بداية الولوج إلى الراحة، فقد خلقنا الله متكاملين، ومتساويين؛ ولأنه عادل، فقد وزع أرزاقه على جميع عباده بالقسط، لذلك جميعنا لا نملك نفس المقومات ولا الصفات، ولكن تكمن حكمة الله في الاختلاف، فلو تساوينا في كل شيء، كان الأجدر أن يظل آدم ونسله في الجنة، ولكنه قال في كتابه الكريم "خُلق الإنسان في كبد"، أي أننا مطالبون فقط بالسعي، أما إدراك النجاح فبيد الله.

تكمن السعادة في القناعة، وثقتك أنك تملك ما لا يملكه غيرك، الفضل لمن يعرف مقوماته، وأدواته، ويبحث بدأب في كيفية استغلالها بأفضل الطرق.

وأخيرًا، السعادة مثل الشقاء، كلاهما في محيطك، وأحيانًا داخلك، أنت من تقرر، إذا أردت متى تكون سعيدًا، ومتى تكون شقيًا.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الرحمة

أيام قلائل ويهل علينا شهر رمضان المبارك؛ وأجد أنه من المناسب أن أتحدث عن عبادة من أفضل العبادات تقربًا لله عز وجل؛ لاسيما أننا خٌلقنا لنعبده؛ وعلينا التقرب لله بتحري ما يرضيه والبعد عن ما يغضبه.

الأكثر قراءة