Close ad

العلاقات المصرية - السعودية بين لغة "المصالح" و"الأخوة"

28-10-2018 | 09:40

تتميز العلاقات المصرية - السعودية ببعد شعبي مصري طاغٍ يدعمه وجود الحرمين الشريفين في الأراضي السعودية، وهو ما يعد امتيازًا لها بكل المقاييس، وعلى الرغم من هذا الامتياز "الإلهي"، فإن حكومة المملكة منذ تأسيسها تحاول تقديم كل ما تستطيع من أجل خدمة الحجاج والزوار للحرمين الشريفين.. ودائمًا ما تفتخر حكومات المملكة المتعاقبة بالتوسعات والإضافات التي تجريها لتسهيل الزيارة.. هذا المكان هو منتهى عشق المصريين وكل المسلمين في العالم، وإن كنت أخص المصريين لما يكنونه من حب عظيم للحرمين ولأهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.

هذه بديهية جعلت السعودية في مقدمة البلاد المحببة للمصريين، ويضاف إلى أو يدعم العلاقة بين الشعبين ما يصدر عن قيادات البلدين، وهو في معظم الأوقات إيجابي ومتعدد، من عبارات تبدو "بروتوكولية" في الظاهر، لكنها تتميز - إذا ما تم التمعن فيها وتحليلها - بخصوصية لا تنطبق سوى على العلاقات المصرية - السعودية.

ربما يعتقد البعض أن تلك العبارات هي من طرف واحد، مثلما قال به الملك المؤسس عبدالعزيز من وصية لأولاده بالاهتمام بمصر وعدم التفريط في علاقات الأخوة معها؛ لأنه "لا غنى لنا عن مصر ولا لمصر غنى عنا"، أو كما قال بعد عودته من زيارة مصر سنة 1946: "جيش مصر هو جيشكم وجيشكم هو جيش مصر"، لكنني لم أجد منذ تأسيس المملكة حاكمًا مصريًا أو ملكًا سعوديًا إلا وله كلمة مأثورة عن علاقات البلدين، من الملك فؤاد الأول إلى الرئيس السيسي، ومن الملك عبدالعزيز الأب إلى الملك سلمان.

ربما الانفتاح الواعي على لغة السياسة يجلعنا نغلب منطق أن "المصالح" هي من وراء الكلمات الرائعة عن علاقات البلدين، وهذا منطق صحيح، لكن هذه المصالح التي ترتبت على العلاقات المتينة وصلت في حجمها إلى أبعاد قد لا تصل إليها علاقات دولتين أخريين في المنطقة وربما في العالم.

فغالبية المصريين يرون الجانب الديني، ورجال الحكم يرون الجانب السياسي، ورجال المال والأعمال يرون الجانب الاقتصادي، ولكن المهم أن كل هذه الجوانب متحققة، وبدرجات عالية.

هذه العلاقات من الصعب التأثير فيها على الرغم من مرورها بفترات من القطيعة، في زمن عبدالناصر بسبب الحرب في اليمن، وفي زمن السادات كرد فعل على اتفاقية السلام مع إسرائيل، كما أنها مرت بفترات برودة قليلة كان سرعان ما يتم تسخينها بزيارة هنا أو هناك، ونريد أن ننسى في هذا الإطار الاحتكاكات الوظيفية والعمالية والسياحية أحيانًا بين أفراد في البلدين تعطي بعض المرارة، لكن المشكلات الناشبة تجد طريقها إلى الحل في النهاية.

أما الأزمات الحقيقية فهي التي تظهر صلابة العلاقات، وقد مرت بالبلدين أحداث تأكد من خلالها الشعبان، أن العلاقة متينة قولا وفعلا، وإلا لما كل هذا السحر "المصري" بشخصية الملك فيصل، والروايات "الأسطورية" عنه خلال حرب أكتوبر 73، وبات معروفًا للجميع قصة حظر النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، والذي بدأ بالولايات المتحدة وهولندا، لكن كثيرين لا يتذكرون أن الملك فيصل أخذ نفس القرار في حرب 67 في أوج خلافه مع عبدالناصر، وأوقف ضخ البترول عن الولايات المتحدة وبريطانيا، وبعد شهور قليلة من الحرب شاهد المصريون على التليفزيون سيارة السادات والملك فيصل تعبر القناة على أحد كباري العبور العظيم، وترجلهما من السيارة لمعاينة بقايا خط بارليف، ثم زيارة الملك فيصل للسويس، وبناء حي باسمه، وخلال الزيارة أعلن عن تبرع بمليار دولار لمصر ونصف مليار كقرض.

كان للمصريين أحكام عدة على قادة المملكة، وكان الملك فيصل في الصدارة، ثم إن الملك عبدالله أخذ قسطًا وافرًا من الاحترام، أما الملك سلمان فعشقه لمصر كان معلنًا طوال الوقت، ويتذكر الدبلوماسيون السعوديون أيام بناء الحي الدبلوماسي في الرياض الذي ستنقل إليه مقار السفارات الأجنبية، وكان الملك سلمان أميرًا للرياض، فقد طلب من مهندسي المشروع تحديد أفضل مكان على الخريطة وطلب الاحتفاظ به، ثم أعلن أنه سيأتي اليوم الذي يرتفع فيه مبنى سفارة مكانها القلوب، كانت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة آنذاك وعندما عادت ارتفع العلم المصري فوق هذا المبنى بالتحديد.. (كتاب العلاقات المصرية السعودية لإبراهيم المسلم.. الطبعة الثانية سنة 2000).

مصر والسعودية حليفان حقيقيان طبقًا لأي قراءة سريعة لتاريخ البلدين حتى قبل أن تتأسس المملكة رسميًا في عام 1932، فقد بلغ أهل الحجاز نبأ غزو نابليون بونابرت لمصر عام 1798، فجردوا سلاحهم المتاح من البنادق والسيوف والرماح والخناجر ونزلوا عند ميناء "ينبع" وعبروا البحر الأحمر إلى "القصير"، كما جاء في كتاب عبدالرحمن الجبرتي "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، وعند كريستوفر هارولد في كتاب "نابليون في مصر"، وفي بضعة أيام كانوا في معارك الصعيد، لمقابلة الفرنسيين مع فلول المقاومة المصرية.

هذه هي العلاقات المصرية - السعودية تاريخًا بعيدًا وقريبًا، وحاضرًا يتميز بإيجابيات واضحة، وهي قادرة على الثبات برغم ما يلوح في الأفق من فصل جديد تدخل فيه المنطقة، سيعيد رسم تحالفات عدة.. الآن دخلنا حقيقة لا مجازًا إلى مرحلة ما بعد "الربيع" العربي، إما إلى حلقة من الفوضى العربية، أو "الثبات" في وجه التحديات المقبلة من داخل الإقليم وخارجه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة