أختتم هذه السلسلة من المقالات عن الأجواء المصاحبة لانعقاد أول مؤتمر علمي دولي، نظمه مركز الدراسات اليابانية بجامعة القاهرة، يومي 22-23 سبتمبر الماضي، بالإشارة إلى المجهود الخارق الذي بذلته الجهات المشاركة لإنجاحه، على هذا النحو المشرف، وفي مقدمتها، سفارة اليابان ومكتب مؤسسة اليابان بالقاهرة، وكذلك الجمعية اليابانية لتطوير العلوم، وجامعة "كروميه" اليابانية.
المؤتمر حمل عنوان: "150 عامًا على إصلاحات ميجي 1868 – كيف نستفيد من التجربة اليابانية؟".. شارك فيه لفيف من الباحثين المصريين والعرب واليابانيين والسفراء والمسئولين، الذين تناولوا باستفاضة مختلف الجوانب المتعلقة بتجربة الإمبراطور ميجي الإصلاحية، بما فيها الجوانب الثقافية والتعليمية والثورة الصناعية، والعلاقات الدولية، في اليابان، وغيرها من الموضوعات، التي غطت تلك الحقبة- المهمة- من تاريخ اليابان.
بلغة عربية فصحى وتمكن، ألقى السيد ماساكي نوكي، سفير اليابان، الجديد، كلمة في افتتاح المؤتمر، أشار فيها إلى البعثات اليابانية، التي زارت مصر عامي 1860 و1864 لدراسة تجربتها، كما أعرب عن أمنيته في أن تزدهر الدراسات اليابانية في منطقة الشرق الأوسط، وأن يزداد التواصل بين الباحثين العرب واليابانيين في المستقبل.
في الوقت نفسه، أكد الدكتور عمرو عدلي، نائب وزير التعليم العالي والبحث العلمي أهمية هذا المؤتمر، الذي يواكب إستراتيجية التنمية المستدامة، مصر 2030، وأهمية الاستفادة من التجربة اليابانية في هذا الصدد.
السفير نوكي، ونائبه الجديد، وزير مفوض، كوتارو سوزوكي، يظهران – كما بدا لي خلال الأيام الأولى من مهمتهما بالقاهرة، جدية وحماسًا في العمل، وفي الهمة والنشاط، والإصرار على دفع علاقات الصداقة والتعاون بين مصر واليابان، والبناء على ما سبق من إنجازات في مختلف المجالات، تذكرنا - هذه الجدية والعزيمة - بسفراء ودبلوماسيين يابانيين عظام خدموا في القاهرة، مثل: تاكايا سوتو، كاورو إيشيكاوا، نوريهيرو أوكودا، تسوكاسا إيمورا، وتاكيرو موري.
في مقالي الأسبوع الماضي، أشرت إلى إحدى الأوراق المقدمة للمؤتمر عن إصلاح التعليم المصري في ضوء التجربة اليابانية، وعن النموذج التربوي الياباني المعروف بـ "توكاتسو"، وعن بعض الأمثلة لتطبيقات "توكاتسو" في اليابان، وكيفية الاستفادة منها في تطوير التعليم على الطريقة اليابانية.
وتعقيبًا على ما كتبت، تلقيت بالبريد الإلكتروني، رسالتين على درجة كبيرة من الأهمية.
• الرسالة الأولى: من الدكتور أشرف غانم – أستاذ الكيمياء بجامعة كانبرا- أستراليا، وجاء فيها:
سعدت بمعرفة الجهود المصرية لتطبيق بعض من التجارب اليابانية في التعليم، أريد - فقط - تسجيل اعتراضي على النظام التعليمي الياباني، حيث إنه من المعروف في أستراليا أن الطالب الياباني طالب غير سعيد، فطريقة تعليمه غير مفيدة في غير اليابان.. الكثير ممن حصلوا على دكتوراه من اليابان وهاجروا إلى أستراليا هم بلا عمل.. لأن ما تعلّموه لا يصلح إلا في اليابان.. الكثير منهم – أيضًا - بلا عمل في اليابان.. غير قادر على الإبداع.. لأنه تعلم تعليم الآلة..
شكرًا لكم.
• الرسالة الثانية: من الدكتور نبيل فتح الله، أستاذ الهندسة بجامعة الأزهر، عاش في اليابان ست سنوات للحصول على درجة الدكتوراه، ثم أستاذًا زائرًا 3 مرات، وجاء فيها:
استكمالًا لمقالك (المتميز) عن التوكّاتسو اليابانية، أرفق هنا بعض خواطري لعلها تكون إضافة، لما كتبته أنت في بوابة الأهرام.. نحو تطبيق "التوكَّاتسو" اليابانية في مصر الفرعونية.
إن مصطلح التوكَّاتسو (بتشديد الكاف وفتحها) في أنشطة المدارس المصرية ـ اليابانية (Tokkatsu) مشتق من كلمتين (Tokubetsu katsudoo) توكوبِتسو كاتسودو، ويعبر عن الأنشطة الخاصة في المدارس، التي تعتبر أحد الركائز الأساسية لتعليم الطفل الشامل في اليابان (يطلق عليه اختصارًا توكَّاتسو)، والهدف منها خلق مناخ مرغوب فيه بين الطلاب من أجل المشاركة، وخلق حياة أفضل داخل الفصل والمدرسة، والعمل على تطوير موقف إيجابي فاعل من جانب الطلاب للتعامل مع مختلف القضايا في الفصل والمدرسة، وكذلك خلق موقف إيجابي تجاه الحياة بصفة عامة.
ففي هذه الأنشطة الخاصة يقوم الطلاب بوضع أهداف لهم، وبذل الجهود بصورة اختيارية ذاتية تطبيقية، كما يقومون بالتفكير من تلقاء أنفسهم وتبادل الحوار والمناقشة والبحث عن حل للمشكلات وتوافق الآراء، وهي أنشطة لا يتم إدراجها في إطار المواد الدراسية، ولا تتمثل أهداف الأنشطة الخاصة في تغيير سلوكيات الطلاب داخل المدرسة فحسب؛ بل تمتد إلى المنزل والمجتمع خارج نطاق المدرسة.
بعض أنشطة التوكَّاتسو:
أنشطة الفصل: وهي الأنشطة المتعلقة بمشاركة التلاميذ في تكوين الحياة داخل الفصل والمدرسة وأنشطة التفاعل مع الحياة اليومية والدراسة والتنمية الذاتية، وأنشطة الصحة والسلامة، وأنشطة تناوب الأنشطة اليومية للفصل.
أنشطة مجلس التلاميذ: وهي الأنشطة المتعلقة بتأسيس مجالس التلاميذ وإدارة وتخطيط أنشطة مجلس التلاميذ والتبادل الثقافي القائمة بها جماعات مختلفة الفئة العمرية داخل المدرسة.
المناسبات المدرسية: أنشطة تعمل على تنمية الشعور بالانتماء والتكافل تجاه الآخرين، بالإضافة لشعور العمل للمصلحة العامة من خلال أنشطة تطبيقية يقوم بها التلاميذ، وهي أنشطة يتم القيام بها على مستوى المرحلة الدراسية أو المدرسة.
أسس الأنشطة الخاصة بـ (التوكَّاتسو):
تحول دور المعلم من مدرس إلى مُيسِّر: لم يعد دور المعلم مجرد تعليم المعارف والمفاهيم الصحيحة حتى يتمكن التلاميذ من الوصول إلى إجابة صحيحة، ولكن تسهيل التعلم الاجتماعي والشعوري للتلميذ من خلال التجربة والخطأ في بيئة الفرد أو المجموعة الصغيرة أو الفصل بالكامل.
الفصل والمدرسة هي مجتمع صغير: الفصل أو المدرسة هي المجتمع الصغير، وهي المكان الأكثر ملاءمة للطلاب لتطوير المهارات الشخصية والاجتماعية اللازمة عندما يدخلون العالم الحقيقي؛ حيث يقضي التلاميذ وقتًا كبيرًا معًا في الفصل الدراسي، وهذه الحياة الجماعية هي أساس التوكَّاتسو لأنها تتطلب من الأعضاء مشاركة المهام، ووضع القواعد، وتجربة القيادة، وكذلك التقيد والالتزام بالنظام.
بذل أقصى جهد والشعور بالإنجاز: يجب أن تتماشى أنشطة التوكَّاتسو مع الأنشطة العملية التي يمكن للطلاب إجراؤها في الفصل والمدرسة، والتي من خلالها يتخذون موقفًا لبذل قصارى جهدهم، ومن المتوقع أن يقوم المعلمون بتوجيه التلاميذ لاختيار الغايات والأهداف المناسبة في أنشطة التوكَّاتسو الخاصة بهم، والتي تتطلب من التلاميذ تجاوز ما يزيد قليلا على حدودهم، ويشجع تحقيق نجاح التلاميذ على اكتساب شعور بالإنجاز، وهو مفتاح التحفيز المستدام.
ثقة أكبر في الطالب: لم يعد من المقبول أن يقوم المعلم بتوجيه التلميذ إلى ما يجب القيام به، ومن ثم يطيعه، وبدلًا من ذلك يتعين على المعلم، تسهيل قدرة التلاميذ على حل المشكلات بحيث يتعلمون اختيار الحل المناسب من تلقاء أنفسهم، مما يسمح لهم بالتعلم من خلال العمل، الأمر الذي يضع فيهم مزيدًا من الثقة.
لا ثواب ولا عقاب، ولكن تقييم ذاتي: هناك عنصر مهم في أنشطة التوكَّاتسو، وهو التقييم الذاتي، والذي يقوم فيه التلاميذ بأنفسهم بمراجعة ومناقشة السلوكيات الناتجة عن المشاركة في الأنشطة بصفة فردية أو أنشطة مجموعاتهم، وفصلهم، وهذه العملية تجعل التلاميذ يذكرون ما قرَّروه في وقت سابق وتحسين أدائهم.
تستهدف الأنشطة الخاصة بـ (التوكَّاتسو) تحقيق مجموعة من الأهداف من أهمها:
خلق مدرسة تحقق السعادة والفخر ومتعة التعلم: يعمل المعنيون بالتعليم على بذل قصارى الجهد؛ لضمان ثقافة ومناخ إيجابي في المدرسة يحقق متعة التعلم، ويعزز من بيئة التعلم السعيدة الصحية المتماسكة لجميع التلاميذ، وأن تكون المدرسة مكانًا يشعر فيه التلميذ بالسعادة والفخر لكونه عضوًا فاعلًا فيه، وأن يتم تحفيز كل تلميذ بالأنشطة التعليمية الموزعة بشكل عادل على الجميع، مهما كانت سرعة تعلمهم أو مواهبهم، والعمل على وضع نهاية لفكرة الاختبار النهائي التي تحتل حاليًا الدور المحوري في نظام التعليم في مصر، وفتح صفحة جديدة في تاريخ التعليم تتيح للتلميذ اكتساب مهارات ذات معنى ومهارات القرن الواحد والعشرين.
إن النظام التعليمي الياباني يسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة للطفل (التعليم الشامل للطفل) وتزويد التلاميذ بمجموعة من المهارات عبر تقديم نظام تعليمي شامل يسمى التعليم الشامل للطفل، وهو نظام يقوم على التطور المستدام.
التعلم القائم على اللعب ونموذج التعليم الشامل: تستهدف وزارة التربية والتعليم تعزيز الأنشطة التعليمية في نظام التعليم الجديد خاصة في مجال تكوين الشخصية والمشاعر والعلاقات الاجتماعية، كما سيتم تطبيق مدخل التعلم القائم على اللعب والأنشطة الخاصة بالتوكّاتسو في مرحلة رياض الأطفال ومرحلة التعليم الأساسي على التوالي.
مدخل التعلم القائم على اللعب: يعتبر التعلم من خلال اللعب أحد الممارسات الأكثر استخدامًا في تعليم الطفولة المبكرة، وهو مدخل للتعلم ينظم الأطفال من خلاله ويشكلون عوالمهم الاجتماعية، ويكتسبون المعارف والمهارات والقيم التي تشكل سلوكهم من خلال ممارستهم بعض الألعاب، والتفاعل مع زملائهم والأشياء من حولهم.
لماذا التعلم القائم على اللعب؟: من غير الممكن فصل لعب الأطفال عن تعلمهم، ونموهم في مرحلة الطفولة المبكرة عن الطبيعة البشرية، فاللعب يشكل عقل الطفل، ويوفر استكشاف نشاط يساعد على بناء وتنمية طرق التفكير، كما يؤدي إلى تحسين إمكانات التعلم في وقت لاحق في الحياة (التعلم مدى الحياة)، ويسمح اللعب للأطفال الصغار بالاستكشاف والتعارف والتفاوض والمخاطرة وإدراك المعاني، ومن المرجح أن يكون لدى الأطفال الذين يشاركون في ممارسة اللعب مهارات متطورة لقوة الذاكرة، والنمو اللغوي، والقدرة على تنظيم سلوكهم، ما يؤدي إلى تحسين التكيف المدرسي والتعلم الأكاديمي.. (نقول في مصر العقل السليم في الجسم السليم ـ الرياضة)، كيف نضمن فعالية التعلم القائم على اللعب؟: أثبتت التجارب والدراسات الميدانية أن رياض الأطفال والمدارس التي تحقق قدرًا كبيرًا من التعلم عالي الجودة بتطبيق (التعلم القائم على اللعب) تتميز بالعديد من الخصائص منها:
وضع جدول يتضمن اللعب البدني النشط داخل المدرسة وخارجها.
دمج الموسيقى والنشاط الحركي والتعبير الإبداعي والفنون في الأنشطة اليومية.
التفاعل بين الأطفال والكبار بالمدرسة بمعنى أن المعلمين مثلًا كانوا يشاركون تلاميذهم في اللعب والنشاط البدني بصفة عامة.
تخصيص أوقات كافية ومناسبة لترك الأطفال يلعبون بحرية.
وجود علاقات آمنة مع الأقران والمعلمين، حيث يشعر الأطفال بالثقة عند القيام بالاستكشافات لإقامة علاقات مع الآخرين وتطوير الصداقات وتنظيم سلوكياتهم تلك.
توافر بيئة تعليمية منظمة جيدًا مثل تخطيط المساحات والفراغات، والأثاث، والموارد، والأنشطة، وما إلى ذلك؛ بما يحفز ويشجع الأطفال على الاستكشاف والتعلم والاستفسار.
شكرًا جزيلا للخبيرين القديرين، الأستاذ الدكتور نبيل فتح الله، والأستاذ الدكتور أشرف غانم، والشكر موصول- أيضا - للأستاذ الدكتور وليد فاروق إبراهيم، مدير مركز الدراسات اليابانية بآداب القاهرة، الذي أدار باقتدار المؤتمر العلمي الأول.
[email protected]