بعد إنجاب زوجته ثلاث بنات وولدًا، حملهم وأودعهم في ملجأ، وكان عمرهم لا يتجاوز السنوات العشر، فأكبرهم سننًا عمره 9 سنوات وشهران، وثارت الأم عليه في البداية حتى رضخت لمبرراته، ونصحها بزيارتهم والاطمئنان عليهم من وقت لآخر، وكانت حجة الأب المثيرة للدهشة لكي ينفق الملجأ على تربية أولاده، والأكثر إثارة أن فعلته هذه لم تكن بسبب فقره أو لضيق ذات اليد، فهو يعمل موظفًا بإحدى الهيئات الحكومية وراتبه الشهري لا بأس به، ويمتهن كذلك عملًا آخر إضافيًا.
والأدهى من هذا استسلام زوجته لرغبته، وتنازلها عن أمومتها، وإقصاء فلذات كبدها بعيدًا، وبعد مرور 15 عامًا استردهم الأب من الملجأ وأعادهم إلى بيته.
وحكاية هذا الرجل حينما سمعتها من شقيقه الأكبر لم أستطع إدراكها، وكان البخل وراء ارتكاب جريمته بالتخلي عن تربية أبنائه، وتولدت الكراهية في نفوسهم تجاه والدهم، حتى إن جيرانه يبغضونه لسوء معاملته معهم، ولرفضه مشاركتهم في صيانة المنزل، ولهذا السبب تضج محاكم الأحوال الشخصية بالسيدات المطالبة بالطلاق، وزوجات أخريات اصطحبن أولادهن ولاذوا بالفرار من جحيم شح أزواجهن.
وحتى إناث القرود يرفضن التزاوج من الذكور البخلاء، وهو ما خلصت إليه دراسة أمريكية عن جذب الذكور السخية لإناث القردة، وجاءت نتيجة الدراسة بعد ملاحظة طويلة لفريق البحث، ولاحظوا حرص الإناث على التزاوج من الذكور الذين اعتادوا على دعوتهن لتناول الطعام معهم يوميًا، فهذا يشعرهن بالراحة بدلًا من مشقة البحث عن الطعام.
وشاهد الباحثون عزوفهن عن ذكور القردة البخلاء لاستحواذهم على الغنيمة وانفرادهم بها بعيدًا، ولاحظ أيضًا علماء أسكتلنديون ذكور القردة البرية الحريصة علي التزاوج، اقتناص أفضل أنواع الفاكهة لتقديمها إلى الإناث مثل فاكهة البابايا.
وبطبيعة الحال لم تترك الأمم المتحدة قياس أي ظواهر اجتماعية لدى شعوب العالم، وأطلقت منذ سنوات قليلة المؤشر العالمي للكرم، وأشار إلى وجود هوة شاسعة بين شعوب العالم في العطاء وتقديم المساعدة، وأظهر التقرير أن الدول الغنية ليست بالضرورة الأكثر كرمًا، فمن بين 20 دولة أقوى اقتصادًا 5 دول فقط يتحلون بصفة الكرم.
ونداء إلى كل بخلاء العالم لابد أن تقرأوا الدراسة الصادرة عن رابطة علماء النفس بالولايات المتحدة الأمريكية بجامعة بافلو، التي تقول: إن الكرم يمنح صاحبه الشعور بالسعادة والرضا الذاتي، إضافة إلى أنه يجعله يعيش حياة أطول، ويمتعه بصحة جيدة.
وتعلل الدراسة ذلك بأن الكرم يحمي الإنسان من التعرض للأمراض المزمنة، ويقلل احتمالات الإصابة بها؛ نتيجة إفراز الجسم هرمونات تحفز على الرضا؛ مما يساعد على زيادة مناعة الجسم.
والسمة الغالبة على البخيل طبقًا لنتائج عدة أبحاث ودراسات، أنه مريض نفسي يفتقر إلى الإحساس بالأمان، ويظن أن المال الضمان الوحيد لاستقراره، وسرعان ما يفاجأ بعد عناء وكفاح في مشوار حياته، أن الجميع يكرهه حتى أولاده ووالديه.
وقرأت واقعة عن اعتداء رجل بالضرب على والدته، لأخذها بضعة جنيهات من ماله أثناء غيابه لشراء الدواء، بعد أن أوجعتها آلام المرض نتيجة رفضه شراءه لها، ويصدق عليه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إياه طلب، ويعيش في الدنيا فقيرًا، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء".