فرق كبير بين قصص الفنتازيا والخيال العلمي، فالأخير يحاول مسايرة النظريات العلمية والقوانين الطبيعية، لكن الأولى تضرب بذلك عرض الحائط..
ببساطة شديدة هناك فرق كبير بين "ألف ليلة وليلة" و"مصباح علاء الدين" و"بساط الريح"، وبين "آلة الزمن" و"الرجل الخفي" و"حرب العوالم" و"الهبوط على سطح القـمر".. فالأولى فانتازيا والثانية خيال علمي..
لذلك تجد أن أدباء الخيال العلمي غالبًا "علماء" يبتعدون عن القوى السحرية وخوارق ما فوق الطبيعية، في حين تلعب الخوارق والخيالات الجامحة دور البطولة لدى كُتاب الفنتازيا..
وحينما يتنبأ العالم بما قد يحدث في المستقبل، تضحى أغلب تنبؤاته حقيقة، لذا توقفت كثيرًا أمام تنبؤات لإسحاق أسيموف أحد أفضل كُتاب الخيال العلمي في القرن العشرين، تخيل فيها مستقبل العالم في مقالة نشرها عام 1964، أى قبل أكثر من 50 عامًا!.
إسحاق أسيموف أو عظيموف هو كاتب أمريكي، روسي المولد، هاجرت عائلته إلى نيويورك وعمره 3 سنوات، لم يستجب لرغبة أبيه بالعمل معه في مطعم الحلويات التي يملكه، كان شغوفا بالتعليم منذ صغره، فقد تعلم القراءة بنفسه وهو في الخامسة، وأتم تعليمه حتى أصبح أستاذًا للكيمياء الحيوية في جامعة بوسطن.
كان غزيرًا في كتاباته، فله أكثر من 500 كتاب، واشتهر بكتاباته في روايات الخيال العلمي، التي تركت أثرًا كبيرًا في سينما الخيال العلمي وحتى في علوم الرجل الآلي أو ما يسمى بالروبوتيك، فكان له الفضل في خروج مصطلح " Robotics" الذي اعتُمد لاحقًا.
من أبرز رواياته سلسلة "الأساس" التي تخيل فيها مستقبل البشرية و"الطريق المريخي" و"المستقبل يبدأ غدًا" "الروبوتات والإمبراطورية" و"الغسق" والتي تعتبر من أحسن روايات الخيال العلمي التي كُتبت إطلاقا، وتُرجمت له 6 كتب إلى العربية منها "البدايات" و"العملاق النووي"، تمنى أن تبقى أفكاره حية بعد وفاته، وقد أثمرت رغبته، مع استمرار العالم بالتأمل في تراثه العلمي والأدبي.
عاش غريب الأطوار، كان يضربه أقرانه، حتى إنه كان يقوم بكتابة الواجبات المدرسية للطلاب الأقوياء مقابل حمايته، وكتب العديد من الكتب التي تناولت الرحلات الفضائية، رغم ذلك لم يركب الطائرة سوى مرتين في حياته، قضى معظم أوقات حياته في عزلة، ولم يستجب أبدًا لمحاولات عائلته للحصول على فترات استراحة وإجازات، ويبدو أن هذا هو حال كثير من العظماء أمثال عالمنا الراحل الدكتور جمال حمدان، الذي قضى حياته مبدعًا في عزلته حتى وفاته المؤسفة محترقًا..
فبم تنبأ أسيموف قبل 50 عامًا؟
"ستصبح الاتصالات مسموعة ومرئية وسيمكنك رؤية وسماع الشخص الذي تتحدث معه عبر الهاتف"!..
"الروبوت لن يكون شائعًا أو جيدًا عام 2014؛ ولكنه سيكون موجودًا"
"بالنسبة للتليفزيون، ستحل شاشات الجدار محل الأجهزة العادية، ولكن ستظهر مكعبات شفافة يمكن من خلالها العرض ثلاثي الأبعاد"
اليوم فعلا حلت أجهزة التليفزيون ذات الشاشة المسطحة محل أجهزة التليفزيون العادية، وأصبحت تكنولوجيا التليفزيون ثلاثية الأبعاد "برغم أنها لم تكن في شكل مكعب" تحتل مكانة كبيرة في تجارة الإلكترونيات الآن.
"المحادثات مع القمر ستكون تافهة وغير مريحة"
يؤخذ على أسيموف خطأ هنا، إذ إن فجر عصر الفضاء الذي شهده جعله متفائلاً قليلاً بشأن الاتصالات مع القمر، فكان يعتقد أن المكالمات مع القمر ستتأخر 2.5 ثانية حتى تبلغ الأرض، على الرغم من أنه توقع "هبوط سفن غير مأهولة على المريخ" بحلول عام 2014، وهو ما حدث بالفعل، فهناك أكثر من 44 محاولة لاستكشاف المريخ منذ عام 1969 حتى اليوم.
"سيتم استحداث أدوات للمطبخ تعد الوجبات بصورة آلية وتسخن المياه وتحولها إلى قهوة"
كانت تنبؤات أسيموف أن منتجات الخميرة المصنعة والطحالب ستكون متاحة بمجموعة متنوعة من النكهات، وهو ما تحقق العام الماضي، عندما كشف علماء النقاب عن أول برجر تم تصنيعه في المختبر.
"سيتم بذل جهد كبير في تصميم سيارات مزودة بـ 'عقول روبوت"..
اليوم نرى تجارب حقيقية عن السيارة "ذاتية القيادة" التي يتم التحكم فيها من خلال الكمبيوتر.
"لن يستمتع كل سكان العالم بالإنجازات التي سيشهدها العالم في المستقبل، فسيُحرم منها الكثيرون".
لاحظ اليوم تركز جوجل وفيسبوك على توسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت عبر طائرات بدون طيار ومناطيد لأي منطقة نائية في العالم.
كما تنبأ أسيموف بمستقبل واسع للطب النفسي في القرن الحالي لعلاج الانهيار العصبي الناجم عن صدمات التطور، فقد كانت أهم تنبؤاته أنه رغم أن التكنولوجيا لديها القدرة على تحويل مسار الحياة، إلا أنها تنطوي على جوانب سلبية، وهو ما تعانيه البشرية بالفعل اليوم.
لكن من المفارقات الغريبة أنه خلال الخمسين عامًا الماضية وصل البشر إلى القمر، وأرسلوا مركبات غير مأهولة للمريخ، وأخرى قبل أسابيع نحو "هالة" الشمس، فإن مرض السل، المعدي الأكثر فتكًا في العالم مازال يُعالج في معظم البلدان بأدوية أقدم من كل هذه الإنجازات التاريخية، وواحد فقط من كل 5 أشخاص مصابين بالسل المقاوم للأدوية يحصل على العلاج!!.