Close ad

رغم الجدل بالتي هي أحسن

17-9-2018 | 23:14

أراد كاتب مغمور أن يشتهر، مع أنه لا يملك مقومًا واحدًا من مقومات النجاح، فكتب مقالاً عنيفًا - حتى حد السب والشتم - في سعد زغلول باشا، في عز عنفوانه السياسي كزعيم للأمة في مطالع القرن الماضي..

مقالة الكاتب المغمور أثارت الرأي العام، وخلقت زوبعة وعاصفة من الغضب اللفظي والموضوعي، فمن ذا الذي يتجرأ على سب زعيم الأمة سعد باشا..

جاءوا بذلك المغمور إلى سعد باشا فسأله: لماذا هاجمتني؟! فإذا بالكاتب الذي أصبح نارًا على علم يقول للباشا: إنني مغمور ولا يعرفني أحد فكتبت أهاجمك؛ لأن الناس ستعرفني وسأنال شهرة واسعة بهجومي على اسمك وشخصك.. وقد حدث!

هذا المثال يتكرر كثيرًا بشكل أو بآخر، وفي كل زمان ومكان.. فالتهجم على الكبار لعبة قديمة، والنيل من رموز هذا المجتمع أو ذاك مسألة مكشوفة، قس على ذلك ما تشاء على مستوى الأفراد والشخصيات، أو على صعيد الدول والحكومات.. ولو أحصينا الأمثلة والشواهد لوجدناها أكثر من أن تحصى في مساحة محدودة..

لكن هذه الظاهرة أصبحت أكثر وضوحًا وصفاقة وعدم حياء ولا استحياء، من حفنة من الكتاب وحملة الأقلام والأسفار في الغرب؛ خاصة الشرائح التي تغذيها وتنفث فيها الجماعات الصهيونية المقنعة وغير المقنعة.

يذكر كاتب صعلوك على شاشة إحدى الفضائيات الدينية الأجنبية التي تفسح له مساحة ملحوظة، لسب الإسلام ونبي الإسلام وأمة الإسلام، ويتوهم هو ومن معه أنهم بجملة واحدة أو بجرة قلم أنهم يحركون الجبال الرواسي ويهدمونها؛ مع أنهم في الجوهر لا يساوون جناح بعوضة.

فقط يبغون الشهرة، وهم أبواق ممسوخة لأسيادهم، ومع ذلك يتلاشون بسرعة، حدث ذلك منذ حملات الاستشراق المخزية التي تكسرت نصالها على صخور الحقيقة، واندثروا وألقوا في جب النسيان.

ومع ذلك فهم لا يسأمون إذ كل حين وحين يخرجون (موتورا) يتهجم على الإسلام والمسلمين، مثلهم مثل (الحاوي) الذي يخرج من جعبته شيئًا لافتا للنظر للاسترزاق وأكل العيش.

وإذا كانت الحقبة الاستشراقية في معظمها تعتمد على الفردية، فإن أشباح نفس الحقبة تعاود الظهور؛ لكن في سياق منظومة ومنظمات ينفقون عليها بسخاء، فهم أجراء، اليوم ضدك وغدًا معك، وعليهم أن يكونوا مثل لاعبي السيرك، يخطفون الأبصار ثم ينطفئون، وتنطفئ هذه الأبصار.

لا أضخم من شأن هذه الألاعيب، ولا أهون منها، لكن يجب التصدي لها بعقلانية وموضوعية، ولدينا الأدوات والإمكانات وعلى رأس كل ذلك الآية الكريمة (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.(

اللعب بالدين مسألة مدمرة.. العبث بالمشاعر الدينية عملية مقيتة.. ومس هذه الأحاسيس بأي شكل من الأشكال هو مشهد عبثي.. والاقتراب الساخر من الأمور العقائدية يولد التثوير إلى حد التدمير..

وقد خاضت في هذا الوحل ما يسمى بالقوى العالمية وتوابعها من المنظمات الدولية الخفية والعلنية.. وامتصت دماء الكثير من شعوب الأرض... ولا يزالون.. وسيظلون ...

وفي ضوء ذلك... استدعي هذه الواقعة التي كثيرًا ما كنت أسمعها من أصدقاء هنود مثقفين، وأكثرهم من الصحفيين، أثناء وجودي الصحفي في منطقة الخليج، انطلاقًا من سلطنة عمان، لأكثر من ربع القرن.

الواقعة التي كنا نستفيض في تحليل دلالتها - والتي لا تزال ماثلة أمامنا اليوم، وتتخذ أشكالاً متعددة ومتجددة وستتجدد دائمًا - أنه ﻓﻲ مدينة ﻧﻴﻮﺩﻟﻬﻲ عاﺻﻤﺔ الهند - عندما كانت واحدة من مستعمراتها التي لا تغرب عنها الشمس، وأكثر ما كانت بريطانيا العظمى تركز عليه هو الدين الذي تكيفه كيف شاءت ليكون سلاحاً بيدها للسيطرة على العقول واغتصابها كما يجمع المحللون - ﻛﺎﻥ ﺳﻔﻴﺮ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻳﻤﺮ ﺑﺴﻴﺎﺭﺗﻪ ﻣﻊ ﻗﻨﺼﻞ ﻣﻤﻠﻜته، ﻭﻓﺠﺄﺓ ﺭﺃﻯ ﺷﺎﺑًﺎ ﻫﻨﺪﻳﺎً ﺟﺎﻣﻌﻴﺎً ﻳﺮﻛﻞ ﺑﻘﺮﺓ.. ﻓﺄﻣﺮ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ ﺳﺎﺋﻘﻪ بأن ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺑﺴﺮﻋﺔ، ﻭﺗﺮﺟّﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻣُﺴﺮﻋًﺎ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ "ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ"، ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ذلك ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺻﺎﺭخًا ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ، ﻭﻳﻤﺴﺢ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﻃﻠﺒًﺎ للصفح ﻭﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ، ﻭﺳﻂ ﺩﻫﺸﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ، ﺍﻟﺬﻳﻦ اﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﺑﻌﺪ ﺳﻤﺎﻉ ﺻﺮﺍﺧﻪ، ﻭﻭﺳﻂ ﺫﻫﻮﻝ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ.. ثم اﻏﺘﺴﻞ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﺑﺒﻮﻝ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ ﻭﻣﺴﺢ ﺑﻪ ﻭﺟﻬﻪ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ إﻻ ﺃﻥ سجدوا ﺗﻘﺪﻳﺮًﺍ للبقرة التي ﺳﺠﺪ لها ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ.. ﻭأحضرﻮﺍ ﺑﻌﺪﻫﺎ اﻟﺸﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺭكل البقرة ﻟﻴﺴﺤﻘﻮﻩ أﻣﺎﻡ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ اﻧﺘﻘﺎﻣًﺎ ﻟﻘﺪسية ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﻭﺭﻓﻌﺔ ﺟﻼﻟﻬﺎ..

ﻋﺎﺩ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ ﺑﺮﺑﻄﺘﻪ ﻭﻗﻤﻴﺼﻪ ﺍﻟﻤُﺒﻠﻞ ﺑﺎﻟﺒﻮﻝ ﻭﺷﻌﺮﻩ ﺍﻟﻤﻨﺜﻮﺭ.. ﻟﻴﺮﻛﺐ ﺳﻴﺎﺭﺓ اﻟﺴﻔﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻘﻨﺼﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺎﺩﺭﻩ باﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ؟ ﻭﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﻘﺘﻨﻊ ﺣﻘًﺎ ﺑﻌﻘﻴﺪﺓ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﺒﻘﺮ؟! فأجاب ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ إجابة تعكس عبقرية الطغيان على العقول، حيث قال: إن قيام ﺍﻟﺸﺎﺏ بركل اﻠﺒﻘﺮﺓ هو ﺻﺤﻮﺓ، ﻭﺭﻛﻠﺔ ﻟﻠﻌﻘﻴﺪﺓ الهشة، ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺮﻳﺪﻫﺎ أن تستمر، ﻭﻟﻮ ﺳﻤﺤﻨﺎ ﻟﻠﻬﻨﻮﺩ ﺑﺮﻛﻞ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ.. ﻟﺘﻘﺪﻣﺖ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻋﺎﻣًﺎ ﺇﻟﻰ الأمام.. ﺣﻴﻨئذ ﺳﻨﺨﺴﺮ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ﻭﻣﺼﺎﻟﺤﻨﺎ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ، ﻓﻮﺍﺟﺒﻨﺎ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻲ ﻫﻨﺎ.. ألا ﻧﺴﻤﺢ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﺑﺪًﺍ.. ﻷﻧﻨﺎ ﻧُﺪﺭﻙ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻭﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺔ والتعصب الديني، والمذهبية الفاسدة ﻭﺳﻔﺎﻫﺔ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ.. ﻫﻲ ﺟﻴﻮﺷﻨﺎ التي نعتمد عليها ﻓﻲ ﺗﺴﺨﻴﺮ ﺍلمجتمعات.

إنه وجه قبيح لما يسمى في الأدبيات السياسية بــ (فن اغتصاب العقول).. وهو الاغتصاب الأخطر والدامي والدرامي.. والذي نراه حولنا في هذا العالم المقبوض عليه بقبضة حديدية في باطنها وحريرية في ظاهرها.. والعالم مستسلم لها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: