Close ad

حماية البيئة قضية أمن قومي

15-9-2018 | 23:07

تناقلت وسائل الإعلام عن مجلة "فوربس" نتائج آخر إحصاء عالمي عن المدن الأكثر تلوثًا على مستوى العالم، وللأسف جاءت القاهرة في المركز الأول من حيث تلوث الهواء والضوضاء، بينما جاءت مدينة دلهي في الهند المركز الثاني.

 وكانت أنظف مدينة هي زيورخ في سويسرا هي الأنقى على مستوى العالم؛ وذلك نتيجة الانضباط التام للمواطنين، والالتزام بالقانون، مع الالتزام بقاعدة الساعات الهادئة من العاشرة مساء إلى السادسة صباحًا، والغريب ردود الفعل المصرية؛ حيث نفت وزارة البيئة المصرية صحة هذه النتائج في بيان مطول.

وهنا تساؤل لوزارة البيئة تخاطب المواطن المصري، الذي يشكو ويعاني من كل أنواع الملوثات، أم المواطن الأجنبي ومن له المصداقية؟!؛ سواء في الخارج أو الداخل، وما معني هذا الإنكار أو فائدته أعتقد من الأجدى لنا جميعا دراسة هذا التقرير، ومواجهة الواقع الأليم بدلا من التبرير أو الهروب؛ لأن هذه النتائج ببساطة لا تهدم فقط السياحة، ولكنها تعرقل كل جهود الدولة في مجال مكافحة الأمراض والصحة والشباب والتنمية.

بوجه عام ببساطة استمرار التلوث يعني يد تبني وتعمر ويد أخرى تهدم وتعوق ما تم إنجازه، ولذلك يبدو غريبًا أن ننفق المليارات لعلاج المرضى ونهمل علاج أسباب المرض، حيث يأتي تلوث البيئة في المرتبة الأولى أو السبب الأول لكثير من الأمراض فكيف نعالج العرض ونترك سبب المرض.

كل هذا يعكس غياب الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة بوجه عام، وتلك حقيقة يجب عدم إنكارها ببيان من هنا أو حديث هناك، حتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال وعلينا الاعتراف بالمشكلة إذا كنا جادين في المواجهة والتخلص منها لابد من الاعتراف بالواقع والتشخيص السليم للمشكلة لأن التشخيص السليم لأي مشكلة يمثل بداية جادة تبشر بالنجاح.

ولكن النكران والتبرير يعني استمرار الكارثة وتصاعدها، ثم كانت الصدمة الثانية بمناداة البعض بإلغاء وزارة البيئة في مصر، فهل لأننا نعتبر وزارة البيئة نوعا من الرفاهية!، أو لماذا؟ وللعلم وزارة البيئة في معظم الدول من أكبر الوزارات حجما وعملا؛ حيث تضم بداخلها في مجلس أمناء وزارة البيئة ممثلين عن كل من وزارة الدفاع والداخلية وزارة الصحة والسكان والعدل والطاقة والمواصلات والزراعة ووكالة ناسا والمالية ووزارة الطيران والفضاء وقراراتها ملزمة للجميع لأنها ببساطة تضم جميع التخصصات،

ثم كانت الصدمة الثالثة بإعلان وزارة الكهرباء بأنها في طريقها لإنشاء أكبر محطتين للفحم في العالم، وأين في عيون موسى الموقع الأثري والتاريخي والسياحي الهام وفي منطقة الحمراوين في سفاجا على شاطئ البحر الأحمر بقرض صيني لمزج التلوث بالديون بتشويه السياحة والآثار فعيون موسى هذه هي التي ذكرها القرآن الكريم في قوله: (وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلّ ُأُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). البقرة 60.

وهنا نتذكر المقولة الشعبية (نشنت يا فالح)، أين هي دراسة تقيم الأثر البيئي لهذه القرارات؟ ومن الذي قام بها؟ ولماذا التعجل والكهرباء بها فائض يكفي خمس سنوات قادمة؟، وإلى هذه الدرجة نهين آثارنا وتاريخنا، ثم نبحث عن سياحة؟!،

ثم إن كل المبررات التي قيلت غير موضوعية لأن العالم كله تقريبا توقف عن توليد الكهرباء من الفحم باستثناء الدول المنتجة للفحم وأهمها الصين، وهي لا تجد وسيلة لتصديره لأن العالم توقف عن استيراده لأنه أكثر الوسائل خطورة وتلويثًا للبيئة؛ ثم إن وسائل الحد من أخطار الفحم وسلبياته تتطلب القوانين الصارمة والمحاذير الكثيرة، الأهم أن تكون بأماكن بعيدة وخالية.

 أما بالنسبة لأهمية تعدد وسائل الطاقة فمجال الطاقة الشمسية تحديدًا تتميز به مصر وشمسها لتوليد طاقة رخيصة، فضلا عن مشروع الطاقة النووية وكهرباء السد العالي، وهناك الطاقة الحرارية فهل نحن نسير للخلف ونخالف العالم؟ فهذه بدهيات يعرفها العالم؛ حيث تؤكد الدراسات أن تلوث الهواء وحده يؤدي لوفاة نحو سبعة ملايين مواطن سنويا.

وهنا نتذكر الموقف الشجاع للوزيرة السابقة ليلى إسكندر؛ حينما عارضت استخدام الفحم من أربع سنوات، ولكن وقتها كنا نعاني من أزمة كبيرة في توافر الكهرباء، واليوم لدينا فائض ونطالب نواب الشعب بإعادة النظر في ذلك؛ ولذلك فإن غياب الوعي البيئي والتقييم البيئي للمشروعات والقرارات يعني ببساطة تدمير السياحة والصحة والاقتصاد والتنمية بوجه عام في كل مجالاتها.

 والأخطر أن هذه المشكلة تمتد إلى الأمن القومي بشكل مباشر؛ لأن زيادة التلوث تؤدي ببساطة إلى زيادة الأمراض وتدهور الصحة العامة لأبناء المجتمع، وبالتالي يكون هناك صعوبة في توافر شباب يتمتع بصحة جيدة قادر على الخدمة سواء في المجالات العسكرية أو المدنية من الجندي للطبيب للمهندس للعامل هذا فضلا عن تكاليف العلاج والآثار النفسية والاجتماعية الخطيرة للمرض وتداعياته المختلفة، وهذه حقائق نتمنى أن يستوعبها الجميع سريعًا قبل أن تتفاقم وتستفحل.

 ونحن لا نملك رفاهية التعامل مع قضايا الأمن القومي، ومطلوب سرعة التحرك على كل المستويات والمحاور لمواجهة مشكلات التلوث أو على الأقل الحد منها لأقصى درجة؛ ولذلك سوف نخصص بمشيئة الله المقالات المقبلة لمحاور أساسية لصور وأبعاد وسبل مواجهة هذه المشكلات.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
حضارة مصر بين الشرق والغرب (5)

حضارة مصر بين الشرق والغرب (5)

كورونا فرصة للاستثمار (5)

قال الدكتور محمد عبدالعال، رئيس مجلس النواب الأسبوع الماضي إن مصر قادرة على تحويل أزمة كورونا إلى فرصة للاستثمار؛ من خلال توطين الصناعة وزيادة الاهتمام بالزراعة.

كورونا وهجرة العقول (4)

تصاعد أزمة كورونا كشفت ضعف المنظومة الصحية في معظم دول العالم، وأيضًا ضعف منظومة البحث العلمي والتعليم في كثير من الدول؛ ومنها دول كبرى وعظمى، وبالطبع

من يدفع ثمن كورونا؟ (3)

كورونا لها تكلفة باهظة وثمن غال على الصحة والاقتصاد، والله سبحانه وتعالى وزع الأعباء الصحية على جميع بلدان العالم بأسره بحكمته وعدالته بين الجميع، ولم

بدائل السجون في عصر الكورونا

الهدف الأساسى من السجن إصلاح وتهذيب السلوك السلبى للأفراد الخارجين على قواعد المجتمع؛ ولكن الدراسات أثبتت أن السجون عادة ما تفشل فى تحقيق هدف الإصلاح والتهذيب

كورونا ونظرية النفايات

هناك نظرية في العلوم الإنسانية تسمى نظرية النفايات أو القمامة وباختصار تقوم على عدة عناصر تشمل بداية أن ندرس الشيء وعكسه فلكي نفهم الغنى يجب دراسة الفقر؛

رسالة مصر في إفريقيا (4)

​ولدت مصر إفريقية؛ حيث كانت هناك عدة أسر قوية كثيرة في شتى أنحاء مصر، وقامت عدة حروب فيما بينهم حتى انتهت إلى أربع أسر وهي التي يرمز إليها بالنحلة والبوصة

رسالة مصر وتاريخها والبحر الأبيض المتوسط (3)

رسالة مصر وتاريخها والبحر الأبيض المتوسط (3)

مصر أم الدنيا ورسالتها (2)

يعرض دكتور حسين مؤنس في كتابه أسباب انتشار جملة "مصر أم الدنيا" بتحليل تاريخي لهذه الحقيقة ولو عرف كل مصري قيمة هذه الأرض لما كفاه أن يعمل بيديه وعقله

مصر ورسالتها في فكر حسين مؤنس (1)

مصر ورسالتها في فكر حسين مؤنس (1)

ما بعد الحداثة والمعرفة البيئية وجمال حمدان (11)

عصر ما بعد الحداثة يتميز بثورة وثروة المعرفة؛ بمعنى تزايد كم المعارف بشكل كبير وسريع بما يمثل ثروة كبيرة في المعرفة بكافة صورها بوجه عام، وهذا في حد ذاته

ما بعد الحداثة والاقتصاد والبيئة (10)

ما بعد الحداثة ترفض عصر الحداثة ومشتملاته؛ خاصة النظم الاقتصادية التي أدت للمخاطر البيئية المختلفة التي نعانيها الآن، مثل: تغيرات المناخ، الدفء الحراري،

الأكثر قراءة