Close ad

إبراهيم سعدة برنس الصحافة المصرية

8-9-2018 | 00:31

​في العام 1980 كلّف الرئيس الراحل أنور السادات إبراهيم سعدة برئاسة تحرير "مايو" جريدة الحزب الوطني الذي كان السادات يرأسه، وكنت من المحظوظين أن أكون من المجموعة الشابة التي انتقاها رئيس التحرير مع نخبة من مساعديه العظام سلامة أحمد سلامة، وكمال عبدالرءوف، وربيع الشيخ، وعبدالفتاح الديب، وسعيد إسماعيل، وكتيبة نجوم أخبار اليوم؛ رفعت فياض، ومجدي عبدالعزيز، ومحمود سالم، ومحمود صلاح، ودينا ريان.

وفِي تلك الأيام كان سعدة شابًا ونجمًا، ويمتلك قلمًا كالسيف هدد عروشًا ونسف إمبراطوريات بعموده الأسبوعي (آخر عمود) في أخبار اليوم، وربما يكون سعدة هو صاحب الفضل الأول بعد الله فى تواجد جيلين على الأقل في المهنة وفِي نقابة الصحفيين.

وكانت المهنة فقط هي التي تحدد علاقة سعدة بمن حوله، وشاء حظي أن أقترب من الرجل في أول خطواتي دون أن يكون لي ظهر في الوسط، الأمر الذي أوغر صدور بعض الزملاء، وراحوا يدسون عنده أكثر من مرة، ولكنه كان دومًا ما ينتصر لي.

وفِي تلك الأيام كانت جريدة "مايو" توزع أكثر من مليون نسخة، وكان الناس يقومون بحجز نسخها من بائعي الجرائد، وكانت وكالات الأنباء العالمية تنتظر في بهو جريدة الأهرام مساء كل أحد؛ لنقل الانفرادات الأسبوعية التي كان السادات يخص بها الجريدة.

وكان يكتب الصفحة الأخيرة بعنوان (عرفت هؤلاء)، وكان أي صحفي في مصر يتمنى العمل في "مايو" حتى رحل السادات مبكرًا والجريدة لا تزال في مهدها، وظن البعض أن التجربة انتهت.

وهنا ظهرت قدرات سعدة المهنية في الفصل التام بين الحزب والجريدة حتى بدت في بعض الأوقات كصحيفة معارضة لممارسات الحزب الوطني، الأمر الذي خلق له وللجريدة أعداء في الحكومة والحزب، وكان عموده بأخبار اليوم يثير قلق الكثيرين منهم، خاصة أنهم كانوا يبحثون عن موطئ قدم في مرحلة ما بعد السادات، وكان أن كلفني بتغطية نشاط مركز أو معهد التدريب في روكسي.

وكان المحاضر د صوفي أبوطالب رئيس مجلس الشعب، وفِي تلك الأيام كانت المعارضة قد فتحت ملفات عائلة السادات بعد المحاكمة المثيرة لشقيقه عصمت السادات، ورحت أسأله كيف التحق جمال السادات بهندسة القاهرة بشهادة الثانوية الإنجليزية القديمة، وما هو الوضع الدستوري في الجامعة للسيدة جيهان السادات، وكنت أسعي لرد رسمي على كل الأقاويل، ولكن الرجل فهم السؤال خطأ، وتعامل بعدوانية غير مبررة وسألني أنت.. من أي جريدة؟ أجبت "مايو" فانطلق في وصلة سباب، متهمًا الجريدة بأنها لسان المعارضة والعاملين فيها شيوعيون، ورفسني حراسه فسقطت على الأرض، وكانت تقف بجواري الزميلة خيرية شعلان الصحفية بوكالة الشرق الأوسط، وسجلت ما جرى كاملاً، وذهبت عائدًا لأكتب القصة كاملة، وفجأة استدعاني رئيس مجلس إدارة "الأهرام" و"مايو" عبدالله عبدالباري، وحكيت له ما جرى!!

وفجأة اتصل به إبراهيم سعدة يسأله عني، فحكى وقرأ له ما كتبته، وكان ذلك يوم الأربعاء، وطلب أن أعد القصة بالصور لعدد "مايو" المقبل، ولكني فوجئت بـ"آخر عمود" في أخبار اليوم بعنوان "المهزوز" عن صوفي أبوطالب، وينتصر لمحرر صغير لم يتجاوز وقتها الثانية والعشرين، ولم تمر أسابيع حتى اضطر الرئيس الجديد حسني مبارك لتغيير سعدة تحت ضغوط الحرس القديم وشلة صوفي، ليعلن انتصاره على غريمه القوي فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء.

وظل سعدة رئيسًا لتحرير أخبار اليوم حتى رأس مجلس الإدارة، وظل هو الفارس النبيل المهني في مدرسة أخبار اليوم كأوفى أبنائها، وعندما تجمدت كل القيادات الصحفية، وبدأت شائعات التغيير تطارد الجميع، كان الوحيد الذي امتلك الشجاعة وطالب صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى بأن تعلن الدولة موقفها، ولا تترك المؤسسات تتخبط، وبالفعل وقعت التغييرات كأسوأ ما يكون لإدارة وتحرير المؤسسات العريقة، وربما تكون تلك التغييرات هي التي دمرت المهنة والمؤسسات، وخرج سعدة يكتب عمودًا يوميًا في الصفحة الأخيرة بأخبار اليوم؛ حتى قامت أحداث يناير، وكان مطلوبًا الانتقام والحط من رجال العهد السابق، وتم فتح الملفات القديمة وإعادة التحقيقات في قضايا حسمت من قبل فيما سمي بـ"هدايا أخبار اليوم"، ولكن روح الانتقام والتشفي لم تترك رمزًا في هذا البلد إلا وسعت لتشويهه، وسافر سعدة البرنس ابن بورسعيد لسويسرا، ولم يحتمل حملات التشكيك في ذمته من صغار السفهاء، وظل الحنين للوطن والمهنة يؤلمانه، وكان متابعًا جيدًا لكل ما يكتب ويقال، وقد خاطبني تليفونيًا أكثر من مرة، مشيدًا بمقال أو موضوع، وللأسف طالبت وغيري بأضعف الإيمان أن يواصل الكتابة؛ لأن الكاتب يزداد بريقًا كلما كبر، ولكنه بلدنا الذى يئد أجمل ما فيه بوشايات صغيرة.

وقد عاد إبراهيم سعدة (٨٢) عامًا على متن طائرة طبية بعد أن استجاب النائب العام لمناشدة زميلنا عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام؛ لرفع اسمه من قوائم المطار؛ حتى لا يتم القبض عليه عند وصوله، وحسنًا فعل النقيب والنائب العام حتى لا تتكرر مأساة إبراهيم نافع، الذي عاد للوطن في نعش، وكان سرادق العزاء أفضل رد اعتبار له، وليس هناك ما هو أسوأ من نكران وذبح رموز هذا الوطن، وأن تكون تلك النهايات بمن كانوا ملء السمع والبصر، وربما يكون فيما حدث ما يكفي للخطأ، ومن حسن النوايا مالا يكفي للصواب، وفِي كل الأحوال تظل سيرة إبراهيم سعدة المهنية عالية، وتضعه مع كبار الصحفيين في هذا البلد، وتميزه عليهم بأنه صاحب مدرسة وأستاذ لجيلين - على الأقل - وأنا واحد منهما.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في