17-8-2018 | 22:41
شئنا أم أبينا، صار الفيس بوك حياتنا الحقيقية، والباقي أداء واجب!
غرقنا في أيقوناته الزرقاء ومنشوراته الساخنة وصوره وحكاياته ونميمته وشائعاته.
عالم لم يعد افتراضيًا؛ بل واقعي إلى حد البشاعة؛ بينما تواصلنا في الشوارع والبيوت والنوادي والعمل هو الذي صار بالتدريج المتخيل والمتوهم والباهت والمتآكل.
جرب أن تراقب أداء شلة أصدقاء التقت في كافيه أو حتى زوجين يتجاذبان أطراف الحديث بالمنزل؛ ستجد أن الكلام يبدأ بجرس عال ثم يهدأ إلى أن يغدو رتيبًا مكررًا، ليحل صمت كثيف بعد خمس دقائق من بداية الجلسة، ويبدأ الجميع في فتح هاتفه على صفحته الشخصية، ومتابعة آخر مستجدات "الوول"!
البعض تساءل ساخرًا: يا جماعة الخير ماذا كنتم تفعلون وكيف كنتم تتواصلون قبل هذا الاختراع العجيب الغريب الذي ملأ الدنيا وشغل الناس؟ أما السؤال الأهم: فماذا لو اختفى الفيس بوك برمته وعلى نحو مفاجئ، وانهارت الأيقونات والبروفايلات؟ تساؤل ذكي وكاشف تنطلق منه رواية "حارس الفيس بوك" للكاتب شريف صالح الذي يقدم هنا عالمًا مختلفًا في أجوائه وشخصياته.
وإذا كان موقع التواصل الاجتماعي المفضل لدى المصريين يضم الشامي على المغربي، فقد عمد المؤلف إلى تقديم شخصيات غريبة من الجنسين؛ لكنها تعبر عن واقع أكثر غرابة تآكلت فيه الخصوصية وكثر فيه التزييف: قديمًا باع فاوست نفسه للشيطان، مقابل إكسير السعادة والخلود، أما الآن فتبيع الناس نفسها للفيس بوك بلا مقابل.
تبحلق الى ما لا نهاية في شاشة مشوشة بالصور، وبذاءات كلام وأكاذيب تحاك على المقاهي ومحطات الباص، ثم يعاد تجميعها وتضخيمها على "الوول".
آلاف اللصوص يطلقون على أنفسهم رجال أعمال، آلاف يزعمون أنهم شعراء وإعلاميون، لا أحد يريد الاعتراف بحقيقة ذاته، لا أحد يكتفي بدوره، بل يريدون لعب كل الأدوار، فهل البشر مهووسون بارتداء الأقنعة أم عاجزون عن حقيقة أنفسهم" ؟
تساؤل تطرحه إحدى شخصيات النص، لكن الطريف أن أصدقاء المؤلف كثيرًا ما يداعبونه قائلين: ولكنك أنت نفسك يا مولانا مدمن لهذا الموقع، ولا تكاد تترك هاتفك حتى وأنت وسط أصدقائك، فيشيح بوجهه عنهم قائلا: جربوا أن تعيشوا في الغربة خارج مصر بمجتمع يخلو من حيوية القاهرة، وستفهمون كيف يصبح الفيس بوك ملاذًا ونافذةً وحلًا.
المعنى هنا أن مواقع التواصل تحتوي بالفعل على فرص رائعة لبناء جسور إنسانية ووصل ما نقطع، لكن الكارثة كل الكارثة أن تصبح هي الوسيلة الوحيدة وتنفي ما سواها وهو ما تحذر منه الرواية بشكل درامي مشوق.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: