نفترض أنه عُرض عليك ثلاث حالات إنسانية لمساعدتهم، أحدهم يعاني من مرضٍ عضال، والثاني يكابد الفقر المدقع، والثالث يتوجع من إصابته الخطيرة، والسؤال كيف تتصرف معهم؟
فقد تبادر بتقديم كل ما في وسعك لهم، وتسخر جهدك ومالك في إنقاذ المريض، ثم تتذكر مسئوليتك الأخرى نحو الشخص الفقير، وتصيبك الحيرة، وفي ذات الوقت، يبدأ أداؤك في التراخي، ولم يتبق من مالك إلا القليل، وتصطدم أخيرًا بأنك فقدت جهدك ومالك تماماً أمام الحالة الثالثة، وهي الشخص المصاب ولم تجد ما تقدمه له.
هذه الصورة السابقة تتشابه مع نفس حال واقع الفضائيات وشركات الدعاية والأجهزة التنفيذية المختصة، وما دأبوا عليه في شهر رمضان الكريم في تسخير كافة إمكاناتهم المادية والتقنية والتسويقية للتبرع لمستشفي 57357 لعلاج سرطان الأطفال، مع عدد محدود من المراكز الخدمية، وكلامي لا يعني أن هذا الصرح الضخم، والذي يعد أفضل مؤسسة لعلاج سرطان الأطفال في مصر، بل وفي الشرق الأوسط، أنه ليس في احتياج للدعم الحكومي والشعبي المستمر لمواصلة رسالته السامية والشاقة.
ولكن في المقابل، هناك مؤسسات أخرى لديها مهام جسام في التصدي لعلاج قضايا اجتماعية كبرى، لا تقل أهمية عن دور مستشفى 57357، منها قضية أطفال الشوارع الذين بلا مأوي وبلا أسرة، وأعمارهم غالباً ما تبدأ من 5 سنوات، والدولة تصارعها وتتعقبها منذ عدة عقود، بسبب خطورتها الكبيرة على المجتمع، ولصلتها المباشرة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ومن الأخطاء الكارثية أن كثيراً يعتقد أنهم أطفال مجرمون بطبيعتهم، وهذا ما يؤدي الي تفاقم الأزمة وصعوبة مواجهتها، فلا بد من توعية أفراد المجتمع في كيفية التعامل معهم لكي يصبحوا أطفالاً أسوياء، وتحاول الحكومة حالياً محاصرة المشكلة، والحد من ارتفاع معدلات أطفال الشوارع، فقامت وزارة التضامن الاجتماعي منذ أيام بافتتاح أول دار لرعاية الفتيات بالعجوزة، ضمن برنامج أطفال بلا مأوي، وبتكلفة 7 ملايين جنيه، وأنشأ أيضاً نفس البرنامج فرقاً للشارع في عشر محافظات، وتم إنقاذ 12251 حالة حتى آخر أبريل الماضي، وهذا طبقًا لإحصائيات وزارة التضامن الاجتماعي.
ونطالب الفضائيات بإلقاء الضوء على هذا النوع من السرطانات شديدة الخطورة على الدولة، وبتكثيف حملات دعائية لتجسيد مدى معاناة أطفال الشوارع، فتلك المراكز الحكومية والأهلية تحتاج إلى ميزانية بعشرات المليارات لتقف حائلًا أمام توغل آثارها السيئة.
ومن المؤسسات الأخرى المنسية في حملات الدعاية، والمنوط بها إيواء وعلاج أصحاب الأمراض العقلية وعلاج المدمنين، هي مستشفيات الأمراض العقلية والعصبية، وعلى رأسها العباسية والخانكة والمعمورة، وكلها بلا استثناء مبان ضخمة وذات مساحات شاسعة، وتشترك أيضًا في الافتقار إلى التمريض والنظافة، وتحتاج أجهزتها الطبية إلى تحديث وسد العجز منها، مثل معامل التحليل الطبية التي يشتكي الأهالي من نتائجها الطبية الخاطئة، بالإضافة إلى أن مستشفى العباسية يعاني من نقص في أفراد الأمن، مما يسهل من هروب المجانين، ونلاحظ أيضاً في مستشفى الخانكة 32 طبيباً يخدمون ما يقرب من 3000 مريض، وهو نفس المستشفى الذي شاهد منذ عامين مصرع 11 مريضاً بسبب موجة حارة، فتلك المؤسسات العلاجية متعطشة لآلاف المتبرعين لإنقاذها من السقوط.
ولا يفوتنا أهمية دور المعهد القومي للسرطان الذي يستقبل 250 ألف مريض سرطان سنوياً، ولذا، يتطلب من الجميع مد يد العون له، ولأول مرة منذ إنشائه من نصف قرن تقريبا، يحصل المعهد علي أكبر تبرع له بمبلغ 160 مليون جنيه من مؤسسة القلب الكبير العالمية، التابعة للدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة.
ولا تزال سلسلة المؤسسات الحكومية والأهلية المنوط بها خدمة الشعب المصري متعطشة لمزيدٍ من الدعم.