إن استمرار التسرب من التعليم ظاهرة خطيرة جدًا، تعكس عدم وعي المجتمع بأهمية التعليم، وأنه الوسيلة الوحيدة لنهضة البلاد، وهذا يعكسه بوضوح ضآلة ميزانية التعليم والبحث العلمي، ونسبة التسرب من التعليم، وهذه المشكلة يمكن حلها من خلال محورين أساسيين، وهما محور الترغيب، ومحور الترهيب، ومحور الترغيب يرتبط بقضية أخرى في غاية الأهمية والخطورة، وهي قضية الوجبة المدرسية، وجميع دول العالم المتقدمة قبل دول العالم الثالث تهتم بالوجبة المدرسية، بالرغم من انحسار مشكلة الفقر في هذه الدول.
ولذلك، علي دول العالم الثالث، وخاصة التي تعاني من تزايد معدلات الفقر بها، أن تعتبر الوجبة المدرسية مشكلة أمن قومي بلا مبالغة لعدة أسباب، منها أنها ترتبط بالصحة العامة لأطفال وشباب الوطن، وهم القطاع الأكبر من الشعب، وثروة مصر الحقيقية، ومع ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم ارتفعت معدلات الفقر، وسوء التغذية لدى قطاع عريض من الشعب، خاصة في القرى والنجوع والعشوائيات، نجد أن الوجبة المدرسية وسيلة مهمة لتوفير الحد الأدنى المطلوب من الغذاء لأطفال وشباب مصر.
وهذا استثمار كبير في صحة رجال الغد، لأنه يحد من الأمراض، ومصر وفرت العلاج؛ لأن استمرار تزايد الأسعار مع استمرار سياسات رفع الدعم، سيزيد من معدلات الفقر، وسوء التغذية، مما يهدد مستقبل هذا الوطن، لأني أخشي من مستقبل قريب نجد صعوبة في توفير الأعداد الكافية للعمل في مختلف قطاعات البناء والتنمية، وأن نجد الضابط والمهندس والعامل الكفء، ولديه القوة والصحة لهذه الأعمال، ومن هنا، فإن تحمل الدولة لتوفير وجبة مدرسية مميزة توفر للتلميذ ما لا يقل عن نصف احتياجاته الغذائية اليومية قضية أمن قومي لمصر.
وهذا أكبر حافز للأسر الفقيرة على إلحاق أبنائهم بالمدارس، بل والحرص علي ذلك، وخاصة وأن الدراسات توضح أن معظم المتسربين من التعليم من الطبقات الفقيرة، وبذلك تصبح الوجبات المدرسية أهم وسيلة لمنع التسرب من التعليم، وفي نفس الوقت، ضمان توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية لكل التلاميذ، مما يوفر الحد الأدنى من صحة جيدة للشعب بوجه عام، وبالتالي نحد من انتشار أمراض سوء التغذية والفقر، وفي هذا حماية لمستقبل هذا الوطن ولشبابه.
ومن هنا، أهمية دراسة أهم الاحتياجات الغذائية لهذه المرحلة العمرية، وتوفيرها بشكل مناسب لكافة مراحل التعليم من الابتدائية للإعدادية للثانوية؛ بحيث يسهل توفيرها وتوصيلها للطلاب بشكل صحي ومناسب لا يتعرض لأي من أنواع التلوث أو الفساد، وعلينا دراسة تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، فعلى سبيل المثال، دولة اليابان الغنية، والتي نجحت تقريبا بشكل تام في القضاء علي مشكلة الفقر، نجد أن جميع مدارس الدولة توفر وجبة مدرسية إجبارية لكل التلاميذ في جميع المراحل، وهي تعتمد على اليوم الدراسي الكامل لنحو الرابعة أو الخامسة عصرًا، مع منع وجود كنتين أو أي أماكن داخل المدرسة لبيع الطعام أو المشروبات، بل ومنع إحضار الطلاب لأي نوع من أنواع الطعام من منازلهم.
وبالتالي، يضطر جميع الطلاب لتناول وجبة مدرسية واحدة لا تفرق بين غني أو فقير، وتتكون هذه الوجبة عادة من سمك أو لحوم مع خضراوات وأرز وفاكهة بغرض آخر، وهو ضمان حصول كل تلميذ على وجبة صحية، ولا تتيح حتى حرية الاختيار تبعًا لحب أو كره صنف أواخر من الطعام فليس هناك اختيار فيما يتعلق بصحة شعب ومستقبل وطن، وهناك تجارب عديدة حتى مصر في الخمسينيات والستينيات، كان هناك اهتمام بالوجبة المدرسية، وكل ذلك لابد وأن يرتبط بإجراءات حاسمة وعنيفة لمن تسول له نفسه الغش أو الإفساد في طعام أولادنا، والحزم الشديد هنا ضرورة لحماية أولادنا من أي سوء.
وبعد ذلك، نأتي لأسلوب الترهيب من خلال سن التشريعات والعقوبات الصارمة والشديدة، ليس فقط لمن يعبث في إعداد الوجبات المدرسية، ولكن أيضًا لمن يمنع أبناءه من الذهاب للمدرسة من خلال إصدار قوانين للعقاب، وتبدأ بحرمانه من بطاقة التموين، أو إصدار رخصة قيادة، وخلافه، وهناك تجارب عديدة في الدول المحيطة يمكن دراستها، والاستفادة منها، كما يجب أن تهتم الدولة بتوفير مستوى تعليم جيد يكون عامل جذب لكل المواطنين، والمؤسف أن ميزانية التعليم التي أقرها مجلس الشعب الأسبوع الماضي بلغت 115 مليار جنيه مقابل 107 العام الماضي، أي نسبة الزيادة 6% تقريبا، برغم أن نسبة التضخم كانت 13%، مما يعني انخفاض في نسبة التعليم سواء مقارنة بالعام الماضي، أو بحساب نسبة التضخم والزيادة المحدودة للعلاوات السنوية، وبالتالي، ليست هناك ميزانية لرفع المرتبات وتحسين المدارس، أو حتى إعدادها لاستخدام التابلت.. والله ولي التوفيق.