في عام 1907 تنبأ الباحث الطبي الأمريكي في جامعة شيكاغو سايبمون فلكسنر بأنه سيكون من الممكن في المستقبل استبدال الاعضاء البشرية المريضة بأعضاء سليمة عن طريق الجراحة، بما في ذلك الشرايين والمعدة والكلى والقلب، وهو ما يعد من أقدم ما ذُكر حول إمكانية حقيقية لعملية زرع الكلى.
وكانت أول محاولة عملية لزرع كلى بشرية في عام 1933 أجراها الجراح يوري فورونوي من الاتحاد السوفيتى "آنذاك"، باستخدام كلى تم انتزاعها في وقت سابق "حوالى 6 ساعات" من متبرع متوفى، لكن المريض توفي بعد يومين لعدم توافق العضو المنزرع مع فصيلة دمه، لذا رفضه جسمه.
وكان على العالم أن ينتظر حتى منتصف القرن الماضي، حتى تقترب تنبؤات فلكسنر قليلا من أن تضحى حقيقة، عندما أجريت في 17 يونيو 1950 عملية زرع ناجحة لمريضة أمريكية هى روث تاكر " 44 عامًا " في ولاية إلينوي، وبرغم رفض الكُلى المتبرع بها بعد عشرة أشهر؛ لأن علاجات المناعة لم تكن متوافرة آنذاك، لتطوير أدوية فعالة مضادة لرفض الأعضاء؛ حيث كان تطوير أدوية من هذا القبيل مازال يتطلب وقتًا طويلًا، وبرغم ذلك أسهم التدخل الجراحي في إعطاء الوقت لكُلية تاكر الوحيدة لاسترداد الحيوية حتى عاشت خمس سنوات أخرى.
ولتفادي أي مشكلات من ردة فعل الجهاز المناعي، لجأ فريق جراحي في بوسطن بأمريكا ضم كلًا من جوزيف موراي، هارتويل هاريسون، جون ميريل، إلى إجراء جراحة نقل الكُلى بين التوائم المتماثلة رونالد وريتشارد هيريك فى23 ديسمبر 1954، لكن توفي المريض ريتشارد، بعد ثماني سنوات من عملية الزرع.
ونظرًا للجهد والعمل الدؤوب الذي بذله الدكتور موراي منذ ذلك الوقت، واستمر لسنوات عديدة لاحقة في هذا المجال، نال جائزة نوبل للطب في عام 1990.
ولعله من دواعي الفخر، أنه بعد فترة ليست طويلة نسبيًا من بدء عمليات زرع الكُلى في العالم، أن تتم أول حالتي زرع كلى في مصر بأيد مصرية في مارس، مايو 1976 في المنصورة على يد ناظر مدرسة الكلى ورائد زراعتها بمصر الأستاذ الدكتور محمد غنيم، واليوم بلغ اجمالي عمليات زرع الكُلى بالمنصورة وحدها حوالي 3000 حالة، منها 400 حالة زرع كلى للأطفال، بنسب نجاح 87% عند 5 سنوات و66% بعد 10 سنوات، وهو ما يضاهي النسب العالمية في أوروبا وأمريكا.
هذه المناسبة مهمة جدًا للإشارة إلى كتابين مهمين في مجال زرع الكُلى صدرا حديثًا خلال عامي 2017 و2018 على يد أحد علماء مصر البارزين في هذا المجال، هو الدكتور عادل بكر الرئيس الأسبق لوحدة غسيل وزرع الكلى بمركز أمراض الكلى والمسالك البولية بجامعة المنصورة.
الأول يستعرض تاريخ أمراض وزرع الكلى في الوطن العربى بمشاركة 17 دولة عربية، لإعطاء الفرصة لتبادل الخبرات بهدف تحسين أداء الخدمة الطبية وصولا لحياة أفضل لمرضى الكُلى.
في مقدمة هذا الكتاب أبدى العالم الدكتور محمد غنيم استغرابه من أن عمليات زرع الكلى تتم في السعودية من متبرعين حديثي وفاة ولم تجر حتى الآن في مصر، واقترح إنشاء "مؤسسة الزرع العربي" تكون مهمتها الأساسية متابعة توزيع الأعضاء من حديثي الوفاة وعمل تسجيل شامل وتقوية الدعم المادي علاوة على الاهتمام بالبحث العلمي.
أما الكتاب الثاني فهو بعنوان زرع الكُلى: ممارسة عملية، فيستعرض نواحي عديدة في مجال زرع الكُلى، وهو بمثابة وجبة دسمة للأطباء ومرجع عالمي في هذا المجال، وما يميزه مشاركة أكثر من 38 أستاذًا على مستوى العالم من أمريكا وفرنسا وأسبانيا واليابان والهند وتركيا في كتابة فصوله.
وهو بمثابة رحلة ممتعة لاستعراض الإنجازات في مجال زرع الكُلى مثل التقدم في علم المناعة وفحص الأنسجة والأشعات والمسالك البولية والأدوية المثبطة للمناعة، مما أدى إلى تحسن نتائج الزرع على المدى القصير بصورة ممتازة، غير أن النتائج على المدى البعيد لم تحظ بتحسن مماثل.
لكن يظل الحديث عن الأدوية المثبطة للمناعة هو الهاجس الأكبر لضمان عدم رفض الجسم للأعضاء المزروعة، خاصة الكُلى.
وهناك وسائل تشخيصية قد تساعد في المستقبل على وجود تكيف بين الجسم والكُلية المزروعة من دون استخدام أدوية مثبطة للمناعة مع عدم لفظ الكلية المزروعة، بيد أن الطريق مازال طويلا للوصول لهذه الخطوة المهمة برغم المحاولات العديدة التي بذلها العلماء خلال الـ 70 عامًا الماضية، ومن المتوقع أن يكون هذا الموضوع هو الشغل الشاغل في القرن الواحد والعشرين.
إنه تاريخ مُشرف لنا في عمليات زرع الكلى، لا ينبغي أن يلوثه أبدًا الحديث عن عصابات تجارة الأعضاء البشرية، خاصة الكُلى في مصر، بسبب غياب دور وزارة الصحة في تفعيل قانون زرع الأعضاء، والذي يضع قواعد صارمة لمراكز زرع الأعضاء، ولا تستطيع تنفيذها سوى المستشفيات الكبرى، حتى تختفي تمامًا عصابات مراكز "بير السلم" التي تمارس عملياتها "القذرة" سرًا، ويكون مصيرها الضبط في الحملات الأمنية.