Close ad

"تصيين" شهر الصوم في "أوروموتشي"

21-5-2018 | 13:25

قبل أيام من بدء شهر رمضان المعظم، تلقيت دعوة كريمة من سفارة الصين بالقاهرة، لحضور لقاء بوفد للتبادل الثقافى مع منطقة "شينجيانغ" الصينية، الويغورية المسلمة، الذاتية الحكم.

ضم الوفد كلًا من السيد شيويه قويشيانغ، أمين عام الجمعية الصينية للصداقة مع الخارج، والدكتورة قولينار ووفولى، الأستاذة في جامعة كاشغر.

اللقاء استهدف - أساسًا - الاطلاع على مدى استعداد الصائمين في هذه المنطقة من العالم، وأغلبية سكانها من المسلمين، لممارسة شعائرهم الدينية، بحرية كاملة، ضمن السياسة التي تتبعها السلطات الصينية، وتضمن - وفق تعبيرهم - حرية الاعتقاد الديني، وبناء الدولة المزدهرة القوية الديمقراطية المتحضرة المتناغمة الجميلة.

استمعت - باهتمام شديد - للكلمة التى ألقاها رئيس الوفد الزائر، السيد شيويه قويشيانغ، وشرحه – المستفيض - للسياسة التى تتبعها الصين، وممارستها لضمان حرية الاعتقاد الدينى، وبالذات، في منطقة "شينجيانغ"، التى يبلغ عدد سكانها من المسلمين نحو 20 مليون نسمة، وتمثل سدس مساحة الصين، توازى مساحة 3 دول عربية هي: مصر والعراق وسوريا، وتجاور 8 دول إسلامية في وسط آسيا بحدود تمتد إلى 5600 كيلو متر، وتمتلك 30 في المائة من ثروة نفط الصين، و40 في المائة من الغاز، و40 في المائة من الفحم.

المفاجأة، التى لم يكن يعرفها رئيس وأعضاء الوفد والمشاركون في اللقاء من الصينيين والمصريين، وقد أبلغتهم بها في حينه، هى، أننى كنت أنتظر زيارتهم لمصر- بفارغ الصبر- منذ 8 سنوات، أى منذ قمت- أنا- بزيارة منطقة " شينجيانغ" في شهر أغسطس من عام 2010.

تزامنت زيارتى لتلك المنطقة مع العشر الأوائل من شهر رمضان المعظم في ذلك الوقت، ورأيت بعينى هناك الكثير من ممارسات العبادة للصائمين المسلمين الويغوريين، ومدى احترام الدولة الصينية لمشاعرهم الدينية، وحريتهم الكاملة في أدائها، وهو - بالضبط - ما أراد الوفد الصينى الزائر شرحه لمن سيقابلوهم في القاهرة.

ثلاث مدن صينية شاءت الأقدار أن أقضى العشر الأوائل من شهر رمضان المعظم بين سكانها من المسلمين، في شهر أغسطس من عام 2010، هى: أوروموتشى، عاصمة مقاطعة "شينجيانغ"، ومدينة "توربان" لؤلؤة المدن على طريق الحرير في المقاطعة، وآخيرًا العاصمة بكين، حيث حضرت حفل الإفطار السنوى الذى أقامه، وقتها، رئيس بعثة مصر في الصين، السفير أحمد رزق، لأسرة السفارة ومكاتبها الفنية والجالية المصرية.

تتميز منطقة " شينجيانج " الويغورية، ذات الأغلبية المسلمة، التى زرتها، بجبالها الشاهقة وببحيراتها الرائعة، وبصحرائها الواسعة، وكذلك بثقافتها المتعددة والمتنوعة وأبرزها الثقافة الإسلامية، وتتعايش في المنطقة 55 قومية، أكبرها من حيث التعداد السكانى، قوميات: الويغور والهان والقازاق، وينتشر في المنطقة عشرات المساجد إلى جانب المعابد البوذية والكنائس المسيحية.

فى عاصمة "شينجيانغ"، أقمت في فندق بـ " أوروموتشى" تحرص إدارته – إلى درجة المبالغة أحيانا- على توفير الرعاية الروحانية والدينية لساكنيه ورواده من المسلمين، ويتزين شهر الصوم في المدينة بمظاهر احتفالية خاصة تميزها عن باقى عموم الصين.

زرت في "أوروموتشى" مساجد وجمعيات ومعاهد ومراكز إسلامية، والتقيت على مائدتى الإفطار والسحور مع أئمة وصائمين مسلمين، وأبلغوني، بصريح العبارة، أن حق حرية الاعتقاد الديني لهم مطبق ومضمون في دستور الصين.

تنص المادة 36 لدستور جمهورية الصين الشعبية على ما يلي:
مواطنو جمهورية الصين الشعبية يتمتعون بحرية الاعتقاد الدينى، وتحمى الدولة النشاطات الدينية الطبيعية، ولا يحق لأى من أجهزة الدولة أو المنظمات الاجتماعية أو الأفراد إرغام أى مواطن على الاعتقاد بأى دين أو عدم الاعتقاد به، ولا يجوز التعصب ضد أى مواطن يعتقد بأى دين أو لا يعتقد به، ولا يجوز لأى شخص استغلال الدين لمباشرة نشاطات تخل بالنظام الاجتماعى وتضر بصحة المواطنين البدنية وتعوق النظام التعليمى للدولة، ولا تخضع الجمعيات الدينية والشئون الدينية لأى سيطرة قوى أجنبية.

أهمية قصوى تعطيها السلطات الصينية لضرورة ألا تخضع الجمعيات والشئون الدينية لأى سيطرة من قوى أجنبية ومتطرفة وإرهابية، لأننى كنت، وقتها، أزور مدينة "أوروموتشى" عقب أحداث بشعة، شهدتها عاصمة منطقة " شينجيانغ" الويغورية، ذات الأغلبية المسلمة.

وتتردد صورة ذهنية دعائية مغرضة، تتلقفها أوساط غربية وسياسية مناوئة لتقدم وتنمية البر الصينى، لربط منطقة " شينجيانغ" الويغورية، ذات الأغلبية المسلمة، بالحركات الاحتجاجية والتنظيمات الانفصالية لقوى (خارجية) تسعى إلى إقامة ما تسميه بـ " دولة تركستان الشرقية".

المهم أن الأحداث الإرهابية المؤسفة تلك، استمرت على مدى أسبوع كامل في شهر يوليو من عام 2009، حيث دماء تسيل وجثث ملقاة في الشوارع ودخان يتصاعد من السيارات ومتاجر تحترق وأعمال نهب وقتل في قلب "أوروموتشى" راح ضحيتها – وفقا للأرقام الصينية- 197 قتيلا وأكثر من ألف جريح من أعراق تصل إلى 17 قومية، منهم من ينتمى لقومية هان – التى تمثل غالبية الصينيين- ومنهم من ينتمى إلى أقليات الويغور وهوى وطاجيك.. وغيرها.

لهذه الأسباب ولمنع تكرار هذه الأحداث الإرهابية المؤسفة في منطقة "شينجيانغ" الويغورية ذات الأغلبية المسلمة، تتشدد الدولة الصينية في كبح النشاطات الدينية غير المشروعة، والحد من استغلال الدين لترويج أفكار متطرفة أو مباشرة أنشطة متطرفة، ومقاومة تسلل القوى من خارج الصين باستغلال الدين، وتسديد الضربات إلى الأنشطة الإجرامية والمخالفة للقانون التى تمارس باستغلال الدين، وتجرى النشاطات الدينية في حدود قوانين الدولة، ولا يمكن استغلال الدين لممارسة النشاطات التى تضر بالاستقرار الاجتماعى والوحدة القومية والأمن الوطنى.

تشدد الدولة الصينية المشروع لكبح النشاطات الدينية المتطرفة، وفى مواجهة الحركات الاحتجاجية والانفصالية والإرهابية في منطقة "شينجيانغ"، ذاتية الحكم، وذات الأغلبية المسلمة، يأتي ضمن تمسك الأوساط الدينية الصينية باتجاه "تصيين" الديانة، أي تشجيع مختلف الأديان على مواكبة العصر، والتكيف مع المجتمع الاشتراكى، وتقديم المساهمات للتنمية الاقتصادية والانسجام الاجتماعى والازدهار الثقافى والوحدة القومية ووحدة الوطن الأم.

هذا التشدد لم يمنع ابنة مدينة "تروبان" الويغورية المسلمة، السيدة "أتيكا" شبيهة جدتى "علياء" رحمها الله، من التعبير عن مشاعرها الإنسانية وهى تقدم لى هدية من العنب الطازج والإفطار الرمضاني من لحم الضأن المشوي، وتأخذ بيدي في المساء لمشاهدة الأغاني الفلكلورية المحلية والرقصات الشعبية القريبة من القلب، وهو ما سأتحدث عنه في مقالي المقبل بإذن الله.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة