غريب حقًا أمرنا يا سادة، نشكو مر الشكوى من الفساد هنا أو الانهيار هناك، وحين يأتي أحدهم ليفعل شيئًا حيال هذا الواقع المرير نصرخ هلعًا ورعبًا من التغيير ونسارع للتشبث بالوضع "على قديمه"!
أقول قولي هذا بمناسبة طبول الحرب التي يدقها القاصي والداني ضد وزير التعليم د. طارق شوقي، مطالبين بوأد النظام الجديد الذي يبشر به، وكأنه يبشر بدين ما وجدنا عليه آباءنا، وكأنه لا يطرح إستراتيجية متكاملة صاغها خبراء وسبقتنا إليها الأمم شرقًا وغربًا؛ بل يتلو علينا أساطير الأولين!
لست في معرض الدفاع عن الرجل ولا خطة وزارته؛ بل ولا حتى رؤية "مصر 2030" فهو أجدر بالدفاع عن نفسه في وجه عواصف الهجوم، كما أن الحكومة عمومًا لديها جيش من المتحدثين الرسميين.
فقط أتوقف هنا أمام حالة الهلع التي تنتابنا من أي تغيير حقيقي.
أليس أنتم من قلتم إن انهيار التعليم في مصر المحروسة بلغ حالة غير مسبوقة تكلل جباهكم بالعار؟
ألم تشتكوا مرارًا من ضغط المناهج وغبائها وقسوتها؟
ألم تبح أصواتكم تنديدًا بفلسفة التعليم القائمة على الحفظ لا الفهم؟
ألم تصرخوا من وطأة مصاصي دماء الأسرة الذين يزعمون أنهم مدرسون ويسومونكم سوء العذاب فيما يسمى الدروس الخصوصية؟
ألا ينتابكم الرعب كل عام وتغادر الدماء وجوهكم وترحل الابتسامة عن محياكم، فإذا سألكم سائل: ما الأمر، نكستم رؤوسكم وهمستم في وجل: ادع لنا فلدينا ثانوية عامة هذه السنة؟
ألا تشتكون من أن خريجي الجامعة يرتكبون أخطاء كوميدية في الإملاء ولا يستطيعون قراءة فقرة واحدة قراءة سليمة؟
ألم تشعروا بالغضب وأنتم تقرأون عن دول عربية كنا نعلمهم مبادئ التحضر حتى وقت قريب، فإذا بهم يتحفظون الآن على تعيين الطبيب المصري لديهم؛ بسبب عدم الثقة في مصداقية التعليم الجامعي الذي ناله؟
كيف بعد كل هذا يدعو وزير إلى نظام تعليمي جديد - ربما يجنبنا تلك الكوارث - فتتقمصون شخصية كفار قريش وتهتفون: تبًا لهم، إنهم يدعون إلى دين جديد!