Close ad

قراءة كاشفة من قلب كارثة القاهرة الجديدة!

1-5-2018 | 00:15
من قلب الآثار الدامية لأزمة الإهمال المرعبة التي تسبب فيها جهاز القاهرة الجديدة بالتجمع الخامس.. أكتب هذا المقال... ومن بين عشرات ومئات الفيلل والشوارع الغرقى والعقارات المنكوبة بالأمطار أتحدث.. وبالتحديد من جنوب الأكاديمية كأرقى المناطق؛ حيث تتوسط تجمعات المدينة من أولها إلى خامسها.

لست من أنصار البكاء على اللبن المسكوب، فما أكثر اللبن المسكوب، وما أطول البكاء عليه، حتى تعب البكاء نفسه من جراء سلوكيات المسئولين المثيرة للغضب اللفظي والغضب الموضوعي أيضًا.

وبعيدًا عن التفاصيل التي غرقت فيها الأزمة وأغرقتنا.. أقدم هذه القراءة الكاشفة لما وراء المأساة، وهذه الكلمة هي أصدق توصيف للواقعة التي وقعت، ولم يكن لها كاشفة قاهرة إلا (هيئة الرقابة الإدارية) كما سأتعرض لجوهر دورها بعد سطور..

1 - ليس لدينا ثقافة الاعتذار، فمسئولونا لا يعرفونها ولا يعترفون بها، مع أنها لغة العالم المتحضر، وبرغم أن رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل قد اعتذر - على استحياء طبعًا - ولجأ إلى ثقافة التبريرات بأن «الأمطار كانت غزيرة وفي فترة زمنية محدودة، ونحن نعتذر للمواطنين على معاناتهم من الآثار المترتبة عن سوء الأحوال الجوية، خاصة من كانوا على بعض الطرق» فإن تقرير الرقابة الإدارية جاء جادًا وحادًا، وامتص شحنة الغضب قدر الإمكان.

2 - مرعبة فعلا تداعيات الأزمة التي لم تكن أبدًا مفاجئة، ولا علاقة لها بسوء الأحوال الجوية، وتكشف عن الرفض المطلق لثقافة التخريجات والتبريرات وتحميل الأخطاء البشرية والخطايا من مسئولي الجهاز على شماعة القدر - والقدر برئ تمامًا - وها هم من خلال وزارتي «الكهرباء» و«الإسكان» يتبادلون الاتهامات، وفي هذا السياق فإنه بقدر ما أعجبني اعتذار رئيس مجلس الوزراء، بقدر ما تعجبت ألف مرة من إشادته بوزير الإسكان د. مصطفي مدبولي.. لماذا؟ لأن معاليه توجه بسرعة إلى منطقة القاهرة الجديدة، للوقوف على الأوضاع على أرض الواقع(!!) أليس هذا عمله الذي يتقاضى عليه راتبه؟ أليس هذا من صميم اختصاصه كوزير؟ أما ينبغي أن يحاسب هذا الوزير؛ لأن هيئة المجتمعات العمرانية تتبع وزارته؟ أين ثقافة المحاسبة؟ وقد كشف تقرير الرقابة الإدارية أن الأمطار الكثيفة التي حدثت لم تكن مفاجأة، ولكن قامت هيئة الأرصاد بتحذير كافة جهات الدولة بتعرض البلاد لرياح وأمطار تصل للسيول، فكان من الأولى توخي الحذر واتخاذ الاحتياطات الواجبة لتفادي المشكلات الناجمة عن كثافة الأمطار.

3 - الذي يجعل المرء منا يتميز من الغيظ فعلا أن يسمع ويرى نغمة شاذة يدعي أصحابها - بلا حياء أو خجل - أنهم كمسئولين تسلموا القاهرة الجديدة بكل هذه الأخطاء الجسيمة في نظام الخدمات - ولقد سمعتها بنفسي من أحد رؤساء الجهاز - وقلت له: لماذا لم تعلن ذلك؟ وكيف تسلمت الملف.. ألا تفعل شيئًا؟ فما كان منه إلا أن زم شفتيه!! وجاءت الواقعة لتكون درسًا قاسيًا لكل مسئول يجلس على كرسيه ولا يدرك أهمية المنصب الذي هو تكليف وليس تشريفًا، فليس المهم الجلوس على الطاولة إنما الأهم من يدير الأوراق التي على الطاولة ..

4 - في كل أزمة تقع على الرؤوس يهب من له علاقة بالأمر وينتفض.. ومعه وسائل الإعلام شجبًا واستنكارًا، ويطلقون صيحات من قبيل: لابد من محاسبة المسئول.. لابد من.. لابد من.. ثم يخمد كل شيء، وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال في عيون المسئولين..
لكن الأمر هذه المرة أراه يختلف... لماذا؟ الإجابة في هيئة الرقابة الإدارية التي سارعت على الفور وبسرعة مذهلة، وقدمت تقريرها الخلاق الذي يجعل المرء منا يرفع حاجب الدهشة ولا يخفضه، من جسارة المواكبة، ومن حيادية الرؤية، ومن عدم الانحيازية، وقد امتزج فكر التقرير بلغته التي لا تعرف المواربة ولا الحيل ولا التعبيرات الزئبيقية والكلمات المطاطة والألفاظ المغلفة بالتأويل.. فجاء كاشفًا ومزلزلًا.

5 - هذا التقرير بقدر ما يسلط الضوء على أسباب الأزمة والذين تسببوا في حدوثها ومسبباتها إهمالا وتقصيرًا، بقدر ما يكشف مساحة الظلام الإداري والفني والتقني التي يغرق فيه جهاز المدينة بما فيه ومن فيه، فالتجمع الخامس هو أيقونة مصرية معمارية وحضارية ومتحضرة فلماذا نصر على تدميرها بالإهمال البشع والفساد الرهيب؟

6 - كشفت الرقابة الإدارية أمام الشعب كله وجود أعطال جسيمة وجوهرية بالعديد من الطلمبات، ومولدات الكهرباء، وشبكات الحريق، وبعض لوحات التحكم الرئيسية لتشغيل الطلمبات الخاصة بنظام الصرف الصحي بالقاهرة الجديدة، وما شاب إجراءات تسليم وتسلم محطات الصرف بين جهاز مدينة القاهرة الجديدة وشركة الصرف الصحي بالقاهرة بالمخالفة، الأمر الذي شكل جريمة جنائية تضر بالمال العام وتستدعي المساءلة القانونية.

7 - أثبتت الرقابة الإدارية انعدام الحرفية والمهنية في إدارة الأزمة عقب حدوثها وغياب التنسيق بين وزارات الإسكان والكهرباء والنقل ومحافظة القاهرة للاستفادة من قدرات كل منهم وإمكاناتهم لتلافي الآثار التي نجمت عن ذلك، وعدم كفاية مطابق الصرف بالطرق الرئيسية والفرعية بالمدينة أو اتخاذ إجراءات تكفل تلافي آثار الحفر الموجودة بمنطقة أبراج سما بالطريق الدائري حتى الأوتوستراد، وما ترتب عليه من انسداد المطابق وعدم وجود خطوط صرف أو بالوعات بطريقي الكورنيش والأوتوستراد وتجمع المياه وإعاقة حركة المرور بالطريق الدائري.

8 - وبكل جرأة وبلا مهادنة حددت أن المسئولية عن ذلك ترجع لكل من رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة، ورئيس شركة الصرف الصحي للقاهرة الكبرى، واللجنة المسئولة عن تسلم وتسليم محطات الصرف الصحي لجهاز مدينة القاهرة الجديدة، مدير عام التأمين وسلامة الطرق والمكلف بالإشراف على الطريق الدائري التابع للهيئة العامة للطرق والكباري، الأمر الذي استوجب معه إيقاف عدد من المسئولين بجهاز مدينة القاهرة الجديدة عن العمل وإحالة الوقائع إلى المستشار النائب العام لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية تضع الأمور في نصابها لمحاسبة كل من أخطأ أو أهمل مع النظر في تدارك كل السلبيات السابقة بإجراءات قصيرة الأجل وأخرى طويلة الأجل للحيلولة دون تكرار ما حدث بأي صورة من الصور.

9 - والأخطر أيضًا أن هيئة الرقابة الإدارية كشفت حدوث جرائم جنائية تضر بالمال العام في إجراءات تسليم وتسلم محطات الصرف بين جهاز القاهرة الجديدة، وشركة الصرف الصحي في يناير الماضي والذي ساعد بشكل كبير على زيادة الأزمة، وعدم قدرة محطات الصرف على استيعاب مشكلة الأمطار الكثيفة.

10 - ولكن في كل ظلام دامس هناك بارقة... وقد رأيتها بنفسي بعد يومين من استغاثة أصحاب ثلاث فيلل ظلوا يومين كاملين يستصرخون مسئولي المرافق دون جدوى حتى أنقذهم رئيس أمن الجهاز العميد هشام، ولا أعرف بقية اسمه، لكني رأيت استجابته العملية فور علمه بالكارثة فأرسل المهندسين والمعدات وأنقذ الفيلل من انهيار كان محققًا في (بدروماتها )!!.

أرأيتم .. في ضوء تقرير هيئة الرقابة الإدارية أن المسألة - جد - خطيرة... وأن الأمل في ترجمة شواهد ومشاهد التقرير الخطير لهيئة الرقابة الإدارية، حتى لا تتكرر المأساة، وتظل القاهرة الجديدة أيقونة مصر المعمارية..المتحضرة.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: