Close ad

ما أحوجنا لفكر جمال حمدان في مواجهة الأزمات

29-4-2018 | 00:49

من الصدف العجيبة أن موجة الأمطار العاتية التي تعرضت لها مصر الأسبوع الماضي وما تسببت فيه من خسائر مادية ضخمة لمنطقة التجمع الخامس وهي ومن المجتمعات العمرانية الراقية في مصر الجديدة، ودقت ناقوس الخطر لأجهزة الدولة بضرورة الاهتمام بالدراسات الجغرافية قبل إنشاء أي مجتمعات أو مدن عمرانية جديدة للبعد عن مخرات السيول المنتشرة في صحاري مصر وواديها من آلاف السنين..

من الصدف العجيبة أن يٌمر في الأسبوع نفسه 25 عامًا على رحيل فيلسوف جغرافية مصر وصحاريها وتاريخها ومؤرخها وصاحب وصف مصر جغرافيا بصياغة أدبية راقية (العبقري جمال حمدان) رحل وحيدًا، ورحل معه الفهم العميق لجغرافيا المكان وحاقائق التاريخ والوعي..

وما أحوجنا إلى علمه هذه الأيام، وقد تابعنا وشاهدنا كيف جرفت مياة الأمطار وغمرت مجتمعات عمرانية جديدة تكلفت مليارات الجنيهات، وكشفت غياب الوعي والتخطيط العمراني الدقيق والسليم..

ما أحوجنا إلى علم جمال حمدان وخرائطه ودقته في تحديد المواقع المناسبة للتجمعات العمرانية بعيدًا عن مخرات السيول.. والخوف كل الخوف من موجة عالية من الأمطار ستتعرض لها مصر خلال يومين.. ما أحوجنا الى إعادة دراسة وقراءة أشهر مؤلفاته (شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان)، كان "جمال حمدان" أحد أبرز علماء وأعلام الجغرافيا في العالم، اختار العزلة وأخلص لأبحاثه ودراسته، وفي سبيل ذلك رفض تولي كثير من المناصب الرسمية داخل مصر وخارجها، ومنها منصب في الأمم المتحدة..

وعزل نفسه بشقته الكائنة بحي الدقي لمدة 30 عامًا يكتب ويحلل ويؤلف كتبًا وأبحاثًا وصلت إلى 29 كتابًا وأكثر من 80 بحثًا عن تاريخ مصر وجغرافيتها، يبحث في كل شبر من أرضها ويربط الحاضر بالماضي بلغة أدبية راقية، وحذر من نية الغرب والولايات المتحدة الأمريكية خلق صراع بين الحضارات، الهدف منه الحرب على الحضارة الإسلامية وطمس معالمها، وهو مانراه الآن في تأجيج الصراعات الطائفية والدينية في منطقتنا التعيسة والمُبتلية بالتطرف والتشدد والغلو بدعوى الدفاع عن الإسلام وهو بريء منهم ومن أفعالهم وميليشياتهم وحروبهم وصراعتهم وأسلمتهم للأطماع وتكالبهم على السيطرة والسلطة، ويحرقون في سبيل ذلك الأخضر واليابس ويقتلون الأبرياء ويسبون الفيتات والنساء.. ويديرون ظهورهم للصهيونية ولإسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية ولا يوجهون أسلحتهم نحوها..

والراحل جمال حمدان حارب الصهيونية وفضحها وكشف زيف إدعاءاتهم بأنهم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال فترات ماقبل ميلاد المسيح، وأثبت أن اليهود الذين استولوا على فلسطين هم من التتار الذين اعتنقوا اليهودية في القرن الثامن عشر، وهو ما ثبتت صحته من خلال باحث يهودي ألف كتابًا اسمه "القبيلة الثالثة" أثبت فيه أن يهود الأشكيناز يعود أصلهم الى شمال القوقاز في جنوب روسيا.. وهو مايثبت صحة ما كتبه الراحل "جمال حمدان" من أن إسرائيل دولة قامت على ظاهرة استعمارية وعلى اغتصاب الأراضي الفلسطينية، ولا علاقة لها بالدين على الإطلاق..

ومن أجمل مقولات الراحل "جمال حمدان" العبقرية والتي نراها بأم أعيننا كل يوم في دار الإسلام : (أن العالم الإسلامي حقيقة جغرافية.. ولكنه خرافة سياسية وأن المسلمين أصبحوا عبئًا على الإسلام؛ بعد أن كان الإسلام عونًا للمسلمين، والإسلام السياسي تعبير عن مرض نفسي وعقلي؛ فلو كان لدى الإسلام السياسي - ومن يروجون له - ذرة إحساس بالواقع المتدني لوجب عليه الانتحار.. أما الجماعات المتشددة فهي وباء دوري يصيب العالم الإسلامي في فترات الضعف السياسي.. إذ يحدث التشنج لعجز الجسم عن المقاومة..).

وهو ما رأيناه ياسادة عقب الربيع العربي الكاذب، رأينا الوباء الذي تحدث عنه الراحل "جمال حمدان" ينتشر في الدول التي وهنت وضعفت مؤسساتها بداية من العراق، مرورًا بسوريا وليبيا واليمن.. والحمد لله أن تعافت مصر من هذا الوباء سريعًا جدًا بفضل جيشها ووعي وتماسك شعبها..

هذا بعض من كل ما كتبه العبقري الغائب الحاضر "جمال حمدان" الذي فقدناه؛ ولكن لم نفقد علمه وكتبه وأبحاثه التي أتمنى على أجهزة الدولة والأكاديميين والجامعات المصرية أن تٌعيد تدريس وقراءة كتبه وأبحاثه في كافة المجالات؛ خاصة ما يتعلق منها بجغرافية مصر وكيفية الاستفادة منها في التنمية والتوسع العمراني، وأيضًا لعلاج الأخطاء القاتلة التي ارتكبها مجموعة من الفاسدين وغير المتخصصين، ومعدومي الخبرة والضمير الذين أسسوا مدنًا جديدة للميسورين تكلفت مليارات الجنيهات وفوجئنا بهشاشة البنية التحتية لها، وهو ماظهر جليًا في الأمطار الأخيرة وتسببت في خسائر مادية جسيمة لأصحابها، وكثير منهم وضع فيها تحويشة العمر كما يقولون..

نداء إلى القيادة السياسية.. أعيدوا قراءة ما كتب الراحل جمال حمدان، سواء في الجغرافية أو كيفية مواجهة الفكر المتطرف والمتشدد وأبحاثه عن الإسلام السياسي، وأتصور أن أفكاره تُمثل حجر زاوية في محاربة الإرهاب والتطرف وتجديد الخطاب الديني وتحقيق نهضة عمرانية حقيقية في مصر..

أناشد وزير التعليم أن يضع فكر "جمال حمدان" في المناهج الدراسية؛ فنحن حقًا أحوج ما نكون إلى علمه هذه الأيام.. والله المٌستعان.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة