الواقع أن هناك تحديات جسام باتت تواجه جامعة الدول العربية خاصة القادة العرب نتيجة عدم الاضطلاع في حل المشكلات بشكل إيجابي وفوري وما خلفه الربيع العربي في الدول التي أصابها منه منذ سبع سنوات، منها الوضع المتردي في سوريا في لحظات انعقاد القمة العربية الحالية والتدخل العسكري فيها الذي وصل إلى حد إعلان أمريكا وفرنسا وبريطانيا – العدوان الثلاثي - شن ضربات قصف جوية موجعة ردًا على الهجوم الكيماوي المزعوم في مدينة دوما السورية.
وكأنها رسالة للقمة العربية قبل انعقادها بأربع وعشرين ساعة ، وأيضًا الوضع المتردي في اليمن ومسألة المليشيات الحوثية الذراع الإيرانية هناك وجرائم الحرب على أرض اليمن الممزق ولا ريب أن كل ذلك له تأثير على منطقة الخليج، وأيضا المخاطر القائمة في ليبيا نتيجة الصراع المتناحر رغم ما تبذله مصر والإمارات من جهود في هذا الشأن في إعلاء الاعتراف بالجيش الوطني الليبي وما نجم في هذه البلاد من نازحين ولاجئين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية ، والخلافات من جانب كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين من ناحية وبين قطر نتيجة دعم الأخيرة للإرهاب وتورطها في التدخل في شئون دول الجوار وعدم التزامها الواضح بتنفيذ مطالب الـ 13 للدول الأربع رغم المساعي الحميمة من الكويت والتي لم يكتب لها النجاح في حسم الخلاف بالكامل سوى إعلان الالتزام النظري المرسل.
والرأي عندي أن المربع الذهبي للدول الأربع السعودية والإمارات ومصر والبحرين مصممة على مواصلة موقفها ضد الإرهاب وتقويض مصادره وسد منابعه، حتى لا تكون هذه الدول هي الجائزة الكبرى للأطماع والطامعين، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تتطلب من القادة العرب حلولًا غير تقليدية منها ما يتعلق بنشوب خلافات بين بعض الدول الذي وصل إلى حد فكرة إرهاب الدولة وبروز ظاهرة الإرهاب التي أصبحت تشكل تهديدًا مباشرًا لمقومات الدولة وكيانها وسيادتها الوطنية واستقلالها، والتدخلات من بعض الدول في شئون الأخرى؛ بما أدى إلى ظاهرة الإرهاب التي أصبحت تشكل تهديدًا حقيقيا لمقومات الدول العربية وسيادتها الوطنية واستقلالها.
والأمر لم يتجاوز في طرح المعالجة سوى قيام كل دولة بخطط وطنية وفقًا لرؤيتها الذاتية ومصالحها الوطنية، وإن تم النظر إلى هذا الأمر بفكر موحد عربي من القادة العرب فلا شك أنه سيكون أكثر فعالية في الإطار العربي الجماعي برغم أن التعاون لصالح الشعوب هو الأولى في الاتباع وتباطؤ نمو البناء الاقتصادي والمشكلات الضارة بالبيئة العربية والشح المائي والتصحر ، فضلًا انتشار البطالة و ضعف مستوي التعليم، وتراجع مقومات الثقافة العربية ودور العلم خاصة ما يواجه اللغة العربية.
ويجب على القادة العرب التحلي برغبة جادة وإرادة حقيقية في القضاء على البيروقراطية المزمنة، وقلة الموارد المالية، وأن ينتهي للأبد ما نسمعه من دورة لأخرى عن تأخر بعض الأعضاء في سداد التزاماتهم المالية، ومعالجة مشكلة عدم قيام بعض الدول الأعضاء للقرارات الصادرة عن الجامعة رغم التصويت موضع التطبيق والتنفيذ الفعلي وفقًا لمبدأ حسن النية المعمول به دوليًا والبحث عن آلية جديدة لفكرة الإلزام الفوري لقرارات الجامعة ، فتطبيق تلك القرارات هو الذي يكفل للقاعدة القانونية التي تكشف عنها تلك القرارات بين الدول احترامها، وفى المجمل يجب بحث لغة موحدة حول التوافق بشأن الإصلاح الهيكلي للمنظمة ذاتها وضرورة تطويرها بما يتلاءم مع حقيقة العصر ومستجداته على مسرح الحياة العربية والدولية، وتلك جميعا قيود ظاهرة وعراقيل باطنة من شأنها أن تحد من قدرة الجامعة للاضطلاع بمهامها المأمولة من جانب الشعوب العربية والتي يحلم بها كل عربي، وما من ريب أن العمل الجماعي المشترك للقادة العرب من دور فاعل في تحقيق بعض هذه الأماني العربية.
إن جامعة الدول العربية مرآَة تعكس حال الأمة العربية في قوتها ووهنها وأن مسئولية الوضع العربي المتردي أمر لا تستقل به الجامعة كشخص من أشخاص القانون الدولي على انفراد، بل هو في الحق والعدل مشاركة بين تلك المنظمة وبين القادة العرب وحكوماتهم، وأن العقلية العربية إذا ما كانت منصفة يجب عليها أن تنحى هذا النظر وبدونه ستظل الجامعة قابعة في التأخر عن ملاحقة التطور بما لا يحقق المصلحة العربية وحتى تكون قادرة على القيام برسالتها القومية نحو العرب.
وبهذه المثابة يمكننا القول أن عدم تحقق جامعة الدول العربية لنتائج تقدمية حاسمة وجازمة يرجع في الأساس إلى حالة الضعف والوهن للإرادة السياسية العربية الموحدة نتيجة الفكر التقليدي للقادة العرب وتغليب بعض المصالح الخاصة على الصالح العام العربي، وإزاء التحديات التي تواجه الأمة العربية يتعين على القادة العرب انتهاج نهج جديد لتحقيق فكرة العمل العربي المشترك، وأرى أن انضمام قادة عرب أشداء من ذوى التفكير المتحرر كمصر والسعودية من شأنه أن يساهم في قوة العرب إذا ما اتحدت الإرادة العربية حول نقاط اتفاق لا اختلاف والقاعدة أن دوام الاتفاق نفاق وأن كثرة الخلاف اعتساف.
كاتب المقال:
فقيه دستوري ونائب رئيس مجلس الدولة