Close ad

السياحة قادمة.. فماذا نحن فاعلون؟

20-3-2018 | 12:05

وبينما ندق على الخشب، ونتحسس طريقنا بمنتهى الحرص، نقول إن أمارات عودة السياحة إلى مصر تلوح في الأفق.

والأفق ليس تصريحات رسمية تغرق أحيانًا في محاولات التجميل المفرط، وجهود تلوين الواقع بألوان أكثر بهجة؛ وهو ليس تسرعًا في تصريحات بأن السياح القادمين من منطقة كذا يدقون الأبواب، ووكالات السياحة تنتظر بفارغ الصبر لإعادة تنظيم الرحلات، وأن دولة كذا التي أوقفت طيرانها ومنعت مواطنيها وماطلت مرارًا وتكرارًا في عودة حركة السياح القادمين من أراضيها أوشكت على رفع الحظر وإعادة تسيير الجو.

لكن تقارير غربية من دول عدة ومناطق شتى تتحدث هذه الأيام عن عودة حركة السياحة إلى مصر بعد طول توقف؛ فمثلاً جريدة "ذو صن" الشعبية البريطانية تؤكد أن السياح البريطانيين من أصحاب الدخول الضعيفة سيستبدلون إسبانيا هذا الصيف بمصر وتونس وتركيا.

وتقول "ذو صن" إن حركة السياحة البريطانية إلى مصر ستشهد زيادة تقدر بنحو 39 % هذا العام مقارنة بعام 2017؛ وعلى الرغم من أن التقرير يشير إلى تونس وتركيا كذلك باعتبارهما ضمن الوجهات البديلة المرشحة، فإنه يركز على مصر "التي تشهد قبولاً كبيرًا بين البريطانيين على الرغم من مخاوف أمنية، وذكرى الطائرة الروسية التي سقطت عقب إقلاعها من شرم الشيخ".

ومن بريطانيا إلى هولندا؛ حيث يشير تقرير منشور في "نذرلاندز تايمز" إلى أن السياح الهولنديين يعودون إلى كل من مصر وتركيا "بعد" الهجمات الإرهابية، ويتأرجح التقرير المنشور بين كلمتي "بعد" و"رغم" الهجمات الإرهابية، وكلتاهما إيجابي.

ففي حال كانت هولندا ترى أن مصر تعدت مرحلة الإرهاب، فهذا خير وبركة، وإن كانت تعتبر أننا مازلنا نواجه الإرهاب، وأن سائحيها قادمون بالرغم من ذلك، فهذا إيجابي جدًا جدًا، ويبرهن على أهمية مصر (وتركيا) بالنسبة للسائح الهولندي.

حتى "دويتشة فيللة" التي لا تتوقف عن الهبد والرزع في الشأن المصري، فقد أشارت في تقرير لها - عنوانه "مصر تشهد إعادة إحياء لحركة السياحة" - إلى ارتفاع ملحوظ في نسب الحجز في فنادق ومنتجعات الغردقة ومرسى علم، وتواجد واضح لسياح من دول عدة على شواطئ البحر الأحمر.

أحد أولئك السياح دنماركي - في الـ77 من العمر - يقول لـ"دويتشة فيللة" إنه زار مصر 75 مرة، وأنه لو لم يكن في مصر سوى الغوص لاستمر في المجيء، لكنه أشار إلى أن مصر فيها الأهرامات، ومعابد الأقصر، والنيل، وأسوان، والناس لطيفة جدًا".

وهنا أضع يدي على قلبي، بينما اليد الأخرى تستمر في الدق على الخشب؛ خوفًا من عين حسود هنا أو غل حاقد هناك، ولأن الله هو الحامي، ومن بعده قوات الأمن التي تسهر وتتابع وتراقب وتقي وتتأهب (دون تمضية وقت العمل في تكتكة على موبايل أو تعسيلة تحت ظل شجرة أو وجبة فول وفلافل ساعة عصاري مع الزملاء والأصدقاء)، فإن العنصر البشري المصري يحتاج منا وقفة سريعة وقوية.

وسبب السرعة هو أن المؤشرات تؤكد أن العودة المرتقبة باتت قريبة، وأما القوة لأن ما ضرب أخلاقنا وسلوكياتنا وتصرفاتنا بلغ درجة من القوة في التردي والتدهور؛ ما يستدعي قوة مماثلة في التقويم والتوعية.

وإذا كانت ظاهرة العنف والتردي الأخلاقي وغيبوبة تطبيق القانون في سنوات ما بعد ثورة يناير تصيبنا بأمراض الضغط والسكر والاكتئاب، فإن بشائر عودة السياحة، وما تعنيه من إعادة بث الروح في ملايين البيوت المصرية التي كانت تعتمد على الأعمال المرتبطة بها كمصدر لدخلها، فربما تشجعنا على النظر في المرآة لنواجه أنفسنا بالقدر الكبير من القبح الذي أصابنا.

وربما أيضًا يدفع المنوط بهم تطبيق القوانين - ولنتخذ من قوانين المرور نموذجًا - إلى نبذ السلبية وترك التكاسل والتهاون وتطبيق القوانين بحذافيرها على الجميع دون استنثاء ودون تجاوزات.

انعدام قيم النظافة التي تدفعنا إلى التخلص من تلال القمامة أمام مداخل بيوتنا وعلى نواصي شوارعنا وفي مواجهة محلاتنا، وتبدد قواعد النظام التي تجعلنا نتصرف كسكان الغابات فلا طابور ينظم الدور، أو تقيد بأماكن بعينها لإيقاف السيارات (أعتقد إننا الشعب الوحيد الذي يوقف سياراته في اليو تيرن وعلى الرصيف وعند مطلع الكوبري)، وتبخرت أبجديات الذوق والتربية حيث تناحر وتدافع يصلان إلى درجة الهمجية من أجل أولوية المرور؛ سواء سيرًا على الأقدام أو دوسًا على البنزين.. وغيرها كثير ستجعل منا "وجهة سياحية قبيحة ماسخة".

المسخ الذي كان يتصف به البعض من الباعة اللحوحين أو المتسولين الزنانين أو النصابين الجوالين الذين دأبوا على مضايقة السايح، وملاحقتهم في شوارع وسط القاهرة والأماكن السياحية، هذا المسخ مرشح ليتحول إلى قبح قاتل.

فبين تحرشات فجة، ونظرات مستطلعة مخترقة خصوصية الآخرين، وتعليقات سخيفة رذيلة، وتصرفات منصوص عليها في كتاب "كيف تقضي على السياحة وتطفش السياح في بضع ساعات"، حري بنا البدء فورًا في عمليات توعية للجميع من جهة، ومراقبة ومحاسبة المخطئين دون تفرقة أو تجاوز من جهة أخرى.

بالبلدي "كده": ما صدقنا بشائر أمل تلوح في الأفق، برجاء عدم الإجهاز عليها بسلوكيات يندى لها الجبين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الحداية والكتاكيت و"أونروا"

الحداية والكتاكيت و"أونروا"

من ألماظة لميدان سفير

من ألماظة لميدان سفير

"صلاح".. وتوليفة القوى الطاردة

"صلاح" وتوليفة القوى الطاردة

خروف ببدلة ومعايدات مليونية

خروف ببدلة ومعايدات مليونية

مراكز الشباب والإنقاذ السريع

مراكز الشباب والإنقاذ السريع

هويتنا المسلوبة

هويتنا المسلوبة بعد الربيع العربي في يناير 2011

البشر وطريق السويس

أقطع طريق القاهرة السويس من الشروق ومدينتي إلى مصر الجديدة ووسط القاهرة والعودة يوميًا؛ لذلك أعتبر نفسي مرجعية في هذا الطريق، لا سيما أنني لا أكتفي بمجرد

قليل من التدقيق لا يضر

في هذا المكان قبل سبعة أسابيع بالتمام والكمال، كتبت مقالاً عنوانه "إشاعات شائعة"، وبرغم أن الأجواء العنكبوتية والأحاديث الشارعية حينئذ لم تكن قد بلغت ما

سكان يسيرون على أربع

سكان يسيرون على أربع إنهم الكلاب والقطط والدواب

كثرة غثاء السيل

إنجاب الأبناء والبنات سمة من سمات البشرية، وتحديد العدد صفة من صفات العقلاء.

تعدية الشارع

"تعدية الشارع"! عبارة تبدو قصيرة وتقدم نفسها باعتبارها تحصيل حاصل، ليس هذا فقط، بل إن البعض يتعامل معها وكأنها سمة طبيعية من سمات الحياة اليومية، لكن كلا

عن الكرة والشارع والرمز

الغضب والحزن والهري ستستمر أيامًا، ثم ما تلبث أن تذهب إلى حال سبيلها، ولن تعود إلا بحدوث موقف أو موقعة أو حادث مشابه لتعاود عملها بكامل عدتها.