أمي تحية عرفان وتقدير وامتنان لك في جنان الخلد، حيث تقيمين، فالجنة تحت قدميك أنتِ - وكل أم قامت بدورها، كما رسمه الله سبحانه وتعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومعك التقدير وأعظم التحيات لكل أم مصرية، وخاصة أمهات الشهداء؛ ولأن روحي وقلبي معلقة بالقدس والمسجد الأقصى، تحية إجلال وافتخار وامتنان لأمهات فلسطين، المرابطات في المسجد الأقصى.
تلك الأم التي تحمل كفنها بيدها، الحياة تهون، مقابل صلاة تؤديها، آية تتلوها، درس علم تتلقاه برغم أنف العدو، هي مِن الأقصى وهو منها، زادها الرباط برفقة نظيرتها، وسيلتها صمود يكسر عجرفة المحتل وإرادته، التي ظن أنه فارضها، لا شيء يمنعها من دخول مسجدها، في جَلد يصرخ حالها "إنا هنا باقون"، هي سيدة تؤمن أن للبيت رب يحميه وجنود يُسخرها، تأبي نوم عينيها إن مسه الضُر؛ كأنما طيور محلقة هن المرابطات، للمسجد الأقصي هن "حمام حمى" يدفع عنه هجمات المستوطنين وقوات الاحتلال، لا يعبأن لاعتداء، سجن، أو غرامة، يحظر المحتل دخولهن المسجد، لـ"تكبيرة" يصحن بها في وجه المحتل، لكن ما يزيدهن هذا إلا قوة وإصرار، يتمسكن بمسرى الهدى، يقبضن عليه كما تفعل الأم مع صغيرها، يلتمسن ما وُعد به المرابط من قرة أعين.
بصوت واحد تنطلق ألسنتهن بهتاف "بالروح بالدم نفديك يا أقصى"، وبهمّة عالية ودون تردد يُلبين نداء الأقصى عند الحاجة، ويقمن بواجب الدفاع عنه وحمايته في أحلك الأوقات، فينتشرن في باحاته كأنهن جنوده وخط الدفاع الأول عن ثالث الحرمين الشريفين، يشكّلن درعاً منيعة لحمايته، والتصدّي بعزيمة الرجال لكل المحاولات الإسرائيلية للسيطرة عليه أو تدنيسه من قبل المستوطنين، فتجدهن كقوة الجنود ينتشرن في جنباته، وتعلو أصوات هتاف "الله أكبر.. الله أكبر" لتصدح بالأقصي وتعلن النفير العام ببدء معركة البقاء والجهاد مع المحتل.
فعند أي اقتحام للأقصي أو اعتداء من قبل المستوطنين أو الشرطة الإسرائيلية، تجد المرابطات يتصدّرن مشهد الدفاع عن الأقصى، فتكون المرابطة أول من يفديه بالدم والجسد والروح، بعدما فدته بوقتها ومالها وعملها ومنزلها، فتراها تصدح بالتكبيرات بكل ما أوتيت من قوة في وجه المستوطنين وجنود الاحتلال، يومياً، في أروقة الحرم القدسي الشريف، وفي أزقّة القدس القديمة عندما تحتدم المواجهات.
لا ترهبهن عنصرية وهمجية الاحتلال الذي صعّد خلال الأشهر الأخيرة، من اعتداءاته وعدوانه على المرابطات، حتى وصل الأمر إلى الضرب المباشر والقاسي، والتهديد بالقتل لكل مرابطة تحاول صد أي اقتحام للأقصى، أو حتى تقترب من مستوطن متطرف في ساحات المسجد أو على أبوابه.
تحية تقدير في عيد الأم للأم المرابطة في ساحات الأقصى، بعد أن جبن القادة وفر الرجال من ميادين القتال، ورفعوا راية الهوان، ومدوا للعدو أيديهم، وزادوا بالقبل والأحضان، ولكن نساء فلسطين يقدمن القدوة عل أشباه الرجال تعود إليهم خصال الرجال.
هن قلوبهن معلّقة بالأقصي دائماً، وعندما تعلمن بوجود خرق أمني واقتحام مستوطنين أو شرطة إسرائيلية للمسجد الأقصي تسرعن جميعا على قلب رجل واحد نحو المعتدين، وتقفن أمامهم كدرع منيعة تحمل في أيدينهن كتاب الله، ومرددات بصوت واحد: الله أكبر.. الله أكبر، بالروح والدم نفديك يا أقصى، حتي تجد المقتحمين يتراجعون في بعض الأحيان، وأحياناً أخرى يستنجدون بالشرطة الإسرائيلية لحمايتهم من أصوات المقدسيات الهادرة.
ببسالتهن أحبطت المرابطات خلال الفترة الأخيرة، عشرات محاولات تدنيس الأقصى، أو سرقة محتوياته، أو القيام بصلوات تلمودية في باحاته من قبل المستوطنين المتطرفين، وبرغم كل الصعوبات والعقبات التي تفرضها سلطات الاحتلال عليهن تبقين خطاً منيعاً يدافع عن أقصانا في وقت تركه الجميع، وباتت تحاك المؤامرات العربية للخلاص من القدس والأقصي وتركها في أيد الصهاينة.
ومن هنا شكّلت المرابطات علامة فارقة في "انتفاضة القدس"، وبِتنَ رمزاً للصمود في وجه الاحتلال ومستوطنيه، حتى استنهضت مشاهد اعتقالهن وضربهن وسحلهن همة الشعب الفلسطيني للانتفاض والدفاع عن مقدساتهم، التي أسهم تكالب الأحداث على الساحة المحلية والإقليمية في تغييبها عن أذهانهم.
والمرابطات هن سيدات يقصدن الساحات المظللة لقبّة الصخرة، بعد منع قوات الاحتلال الرجال الذين تقل أعمارهم عن أربعين عاماً من الصلاة في المسجد لفترات محددة، فاضطلعت النسوة بهذه المهمة، واخترن مواجهة شرطة الاحتلال الصهيوني والرباط في الأقصي حماية له.
مرة أخرى سلاماً عليكن مرابطات الأقصى وجنوده من تثبتن كل يوم أن القدس كانت على الداوم ثقل الصراع الحقيقي ومركز انبعاث الطاقة لمواجهة الاحتلال الصهيوني، وأن رمزيتها لن تتأثر مهما اجتهد الاحتلال في عزلها وتغييبها عن ذاكرة الأجيال المتتالية.
[email protected]