هذا الأسبوع، أطلقت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، فصلاً جديداً في تاريخ الأمم المتحدة الثري في مصر. لقد وقعنا - جميع وكالات الأمم المتحدة التسع عشرة التي لها أنشطة ميدانية وعملية في البلاد - إطار شراكة الأمم المتحدة من أجل التنمية (UNPDF) مع الوزيرة الدكتورة سحر نصر، وهو إطار يوضح تفاصيل شراكتنا مع الحكومة المصرية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهو يستلزم ما مجموعه 1.2 مليار دولار أمريكي من الموارد، ويستند إلى قدرات منظومة الأمم المتحدة الإنمائية، التي شملت خدماتها نحو 33 مليون مصري في الفترة 2015/2016، من خلال مشروعات وشراكات مختلفة مع الحكومة والمجتمع المدني.
وفي عام 2015، عندما حضرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، كنت شاهدا على توصل قادة العالم إلى اتفاق تاريخي لإنقاذ الكوكب، والإنسانية نفسها، من خلال وضع خطة التنمية المستدامة لعام 2030، لم أكن أعرف في ذلك الوقت، أنه بعد عامين سأعمل مع واحدٍ من أبرز الاقتصادات الناشئة في العالم لتشكيل مسار تنميته المستدامة.
وتاريخ الأمم المتحدة في مصر ضارب في القدم، فلقد افتتحت منظمة اليونسكو أول مكتب للأمم المتحدة في مصر عام 1948، يليها مباشرة مركز الأمم المتحدة للإعلام، الذي لا يزال يشغل نفس المقر في جاردن سيتي منذ عام 1949، ومنذ ذلك الوقت، أنشأت معظم وكالات التنمية التابعة للأمم المتحدة مكاتب في القاهرة، بما في ذلك 10 مكاتب إقليمية، مما يجعل مصر مركزاً عالمياً للأمم المتحدة.
ومصر هي عضو مؤسس للأمم المتحدة، وتم انتخابها خمس مرات كعضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما شاركت مصر في المفاوضات التي أسفرت عن اعتماد ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفضلاً عن ذلك، فإن مصر واحدة من الدول التي أسست لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وساهمت بأكثر من 30000 فرد في 37 بعثة حفظ سلام أممية عبر العالم، وسعادة الدكتور/ بطرس بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، لا يزال يحظى بتبجيل كبير بين موظفي الأمم المتحدة.
كما قدمت مصر على مر السنين، الرؤساء التنفيذيين للعديد من منظمات الأمم المتحدة، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة؛ فمصر هي الدولة التي ساهمت في إنشاء الأمم المتحدة، والتي تستمر في لعب دور رئيسي في النقاش الحكومي الدولي، بصفتها رئيسة مجموعة الـ 77 وعضوًا نشطًا في مجلس حقوق الإنسان.
إن العالم في حالٍ يرثى له، وكما أشار السيد أنطونيو جوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، في محاضرته في جامعة القاهرة عام 2017، "نحن في حاجة إلى تعددية الأطراف أكثر من أي وقت مضى"، والحلول التي ستنقذ كوكب الأرض من الاستكشافات المفرطة للموارد والممارسات غير القابلة للاستدامة، وويلات الحروب، لا تكمن حصرًا داخل البلدان؛ بل في التعاون بين البلدان؛ ولذلك تركز أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، التي تم تبنيها في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015، على الحلول المتكاملة والمبتكرة للسلام والكوكب والإنسان والازدهار.
وهى تنطبق بالتساوي على ألمانيا بقدر ما تنطبق على مصر، وعلى موزمبيق بقدر ما تنطبق على الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم، يتعين على جميع البلدان، فرادى وجماعات، أن تلتزم بدورها في البحث عن حلول عالمية، وتغيير المسار الحالي الذي لا يمكن أن يستمر، وعليه، يمكننا أن نقول إن أهداف التنمية المستدامة قد غيرت بشكل جوهري أجندة الأمم المتحدة.
وباعتمادها لإستراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030 (SDS) في أوائل عام 2016، التزمت مصر بتفعيل أهداف التنمية المستدامة، واستناداً إلى النجاحات الأولية التي حققتها إستراتيجية التنمية المستدامة SDS، فمن المتوقع أن ينفذ هذا المسار بالتركيز على التوسع الاقتصادي، وزيادة فرص العمل، والحلول الإنمائية المتكاملة، والقدرة على التكيف السلوكي مع فكرة الاستدامة والابتكار، علاوة على ذلك، سيركز على الحد من عدم المساواة في المجتمع، خاصة وأنه يعتمد على زخم خطة عام 2030، ضامنا بذلك ألا يترك أحدًا خلف الركب، ولقد حان الوقت الآن، لبناء شراكة يانعة تستفيد من معارف وخبرات وتجربة الأمم المتحدة مجتمعة لبناء مستقبل أكثر استدامة لمصر، باعتبارها واحدة من الدول الرائدة في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
وفي عام 2016، كانت مصر من أوائل البلدان التي قدمت عرضا تحليليا لتنفيذها لأهداف التنمية المستدامة في المنتدى السياسي رفيع المستوى للتنمية المستدامة في الأمم المتحدة بنيويورك، وهو ما يعد سابقة وضعت أساسا مبتكرا للمناقشات التي أجريت منذ ذلك الحين في هذا المجال، وقدمت مصر تحليلاً واضحًا يوضح الإنجازات السابقة والفرص، فضلاً عن التحديات المعيقة للنجاح، وفي عام 2018، تستعد مصر لتقديم تحديثها الثاني للمجتمع الدولي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.
ومن السهل الانجراف وراء الفرص - لا سيما في السياق الحالي، حيث يظهر الاقتصاد علامات تعافي مبكرة بعد اعتماد الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية - والتغاضي عن التحديات والعقبات أمام تحقيق ازدهار حقيقي، ومصر مستدامة يتمتع فيها الجميع بالعدالة الاجتماعية والرفاهية، ولقد اتخذت مصر خطوات بالغة الصعوبة لتعديل الاقتصاد ليتوافق مع الواقع العالمي، وذلك باعتماد الإصلاح الاجتماعي-الاقتصادي في أواخر عام 2016، ولكن هذه الإصلاحات خلفت آثارا كبيرة، ومتوقعة، أثرت على الظروف المعيشية.
ولهذه الأسباب، اخترنا تركيز شراكتنا في إطار شراكة الأمم المتحدة من أجل التنمية، الذي تم تطويره من خلال مشاورات بين الأمم المتحدة، وما لا يقل عن 400 مشارك، يمثلون 18 وزارة ودائرة حكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، على أهم التفاوتات، منها مثلا التفاوت بين الرجال والنساء وبين المناطق المختلفة من البلاد، وبين فئات مختلفة من المجتمع. كما تعتمد شراكتنا على العمل المشترك المستمر في المجالات التي تم تحديدها لتوسيع شبكات الأمن الاجتماع، وخلق فرص عمل للشباب، وتطوير منظومة تنظيم الأسرة، وحماية المناطق الساحلية، وتمكين المرأة إلخ....
وتأخذ منظومة الأمم المتحدة، بقيادة الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو جوتيريس، دورها في حماية كوكب الأرض، وحماية البشرية على نحوٍ جدي، ذلك أن الظواهر العالمية مثل الزيادة في عدد السكان، وتغير المناخ والصراعات و الحروب الأهلية تتطلب مساهمة الجميع لضمان تحرك الأسرة الدولية لإيجاد حلول مبتكرة للمشكلات بالغة التعقيد التي تواجهها الإنسانية، وقد أقرت كل من مصر والأمم المتحدة بهذه الضرورة الملحة، لأن نبتكر وننتهج مسار عمل مختلف.
وقد بدأ بالفعل العمل الجاد في عام 2016، مما مهد الطريق للمشاورات الموسعة في عام 2017، والتي انبثقت عن إطار شراكة الأمم المتحدة من أجل التنمية. ولأننا نعلم جميعا أن الشيطان يكمن في التفاصيل، فإننا نعلم أيضا أن الكثير من العمل الدؤوب لا يزال ينتظرنا.
هذا هو التحدي الذي قررنا أن نرفعه في خضم شراكتنا المتجددة، من أجل إيجاد حلول جديدة مستوحاة من أهداف التنمية المستدامة. لقد نجحت الأمم المتحدة ومصر معاً من قبل، والآن حان الوقت لمواصلة البناء استرشاداً بروح الشراكة هذه. والمشاورات التي سوف نستمر فيها لإيجاد المسارات المستدامة المتكاملة من أجل خدمة الإنسان والمرأة والكوكب وتحقيق الازدهار، ستتطلب منا أن ندرس معاً تجاربنا الماضية، وأن نجد حلولاً مبتكرةً جديدة. وسيتراوح نطاق تلك الحلول بين التركيزعلى توفير الغذاء والتغذية، مرورا بتحقيق العوائد الديموجرافية والمتمثلة في النمو الاقتصادي المتسارع نتيجة لانخفاض معدل الوفيات والخصوبة في البلد والتغيير اللاحق في البنية العمرية للسكان، ومن ثم الوصول إلى استثمارعالي المستوى في مستقبل أطفال وشباب مصر.
ويجب أن تقود شراكتنا إلى التسريع في الحد من الفقر، وتحقيق النمو الاقتصادي، والتماسك الاجتماعي، والاستدامة البيئية، ولتحقيق هذه الأهداف، علينا أن نجيب عن هذه الأسئلة:
كيف يمكننا زيادة مشاركة المرأة في العمل؟
كيف نخطط لمدن تتسم بالتنظيم الجيد والأمن ولموائل بشرية أكثر تعقيدا تكون بمثابة مساحات إنتاجية تقدم حياة أفضل؟
كيف يمكن أن نطلق العنان للقدرات الإنتاجية والإبداعية للشباب، حتى يتمكنوا من المساهمة في التوسع الهائل في العمالة؟
كيف نجعل هذا النمو الاقتصادي يراعى البيئة ويتسم بالاستدامة استنادًا إلى إمكانات مصر الزراعية المذهلة؟
لا تتوافر الأجوبة على كافة الأسئلة الآن، لكننا ومن خلال تجربتنا طوال العامين الماضيين، على إدراك تام بقدرتنا المشتركة على الحوار، ونحن في الأمم المتحدة، على ثقة من أننا سنكون قادرين على تنفيذ ما عقدنا العزم على تنفيذه لصالح مصر وشعبها.
كاتب المقال:
المنسق المقيم للأمم المتحدة في جمهورية مصر العربية