القصة ليست مجرد مؤتمر وفندق واستراحات قهوة. الحكاية أعمق بكثير من بضع أوراق وبعض من جلسات ثم حفل ختام والسلام عليكم. المسألة إطارها استشراف وقوامها معرفة والغاية منها الاستعداد للمستقبل، أو بالأحرى توجيه دفة المستقبل.
وكلما غرق البشر في قلق يومي حول أكل العيش، أو عراك مسائي حول ما قاله فلان في توك شو وما فجره علان عبر ضيف مثير للجدل، أو خضعوا لتغييب بإغراق في مسائل هامشية، كلما اعتقدوا أن الحديث عما هو أبعد من صباح اليوم التالي رفاهية لا يملكونها، فما بالك بالحديث عن 2071 أو استعداد الحكومات للمستقبل أو استيطان الفضاء!
لكن فضاء "القمة العالمية للحكومات" – تلك الفكرة الفريدة التي تنعقد سنويًا في دبي على مدار السنوات الست الماضية – يؤكد أن من يود أن يكون على قيد المستقبل عليه أن يستشرفه. ولأن المستقبل لا مجال فيه للخطب العصماء والجلسات المطولة والأوراق المهدرة التي عادة لا تبرح أدراجها إلا لإعدامها، فإن "القمة العالمية للحكومات" على مدار الأيام الثلاثة الماضية كانت أشبه بأقراص الفكر الصغيرة والكثيرة ذات الوقع الكبير.
والواقع في هذا الصدد هو أن كل جلسة من جلسات القمة أقرب بموجة عصف ذهني مكثف ينتج عنها تخليق الأفكار وتحريكها. فمثلاً من منا فكر من قبل في صناعة "علامة تجارية" للأوطان؟ أو مستقبل الثقافة البشرية؟ أو كيفية بناء هوية الوطن؟ أو صناعة مستقبل خال من الأوبئة؟ أو في شكل التعليم ؟ أو أدوات عمل الحكومات بعد 20 أو 30 أو 40 عامًا من الآن؟
في دبي يفعلون ذلك. هناك من يعي أن كلمة السر تكمن في التعليم. فهو الطريق نحو مستقبل ذكي. وهو أيضًا السبيل إلى تفعيل الشكل الأمثل لحكومات المستقبل، ومن ثم توفير شكل الحياة المرجو للشعوب في المستقبل.
الحديث هنا عن جامعة هي عبارة عن منصة تعليم لا مركزية لتنمية المهارات الرقمية والتي تمكن الأفراد من وضع معالم وتنفيذ مسيرتهم المهنية من أجل اقتصاد المستقبل.
اقتصاد المستقبل وتعليمه لن يخرجا إلى النور دون حكومة المستقبل ومدينته. رئيس المجلس التنقيذي ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن محمد راشد آل مكتوم دشن ضمن فعاليات القمة مبادرة "دبي إكس 10". قال إن معيار نجاح أي حكومة هو قدرتها ومرونتها لإعادة ابتكار نفسها واستباق الزمن، والارتقاء بخدماتها مع تطويع إمكاناتها وجهودها لتلبية طموحات الشعب. وعبر 26 مشروعًا ستعمل دبي في الأشهر القليلة المقبلة على جعل دبي مدينة المستقبل عبر تطبيق ما سيجري في العالم بعد عشر سنوات فيها. مستقبل النقل، البنى التحتية، العمل الحكومي، التعليم، الأمن وغيرها من أوجه الحياة التي ستجعل من دبي بعد أشهر نموذجًا يحتذى لمدن العالم بعد عقد من الزمن.
جانب من بناء دبي الجديدة سيقوم على سبع ابتكارات افتراضية تستشرف المستقبل. من بين هذه الابتكارات التي تم اختيار سبعة منها من بين 275 ابتكارًا: إنسان ذو قدرات آلية، برنامج ذكي لمراقبة الطرق والشوارع والميادين، سحابة عنكبوتية تنقل المتميزين بين الوظائف ومايكروشيب بديلاً لتذاكر القطارات.
ما يجري في دبي ليس مجرد مؤتمر لاستعراض إنجازات، أو تقديم تصورات. ما يجري هو رسم خارطة طريق لمستقبل يبدو بعيدًا بحساب السنين، لكنه على مرمى حجر من تخطيط سليم يرتكز على معلومات وحسابات وأولويات وتخطيط علمي تقوم به الحكومات بالتعاون مع شركاء البناء من قطاع خاص ومؤسسات ومبتكرين وحالمين بمستقبل قابل للتحقيق. نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يقول إن الحكومات اليوم مطالبة بأن تكون أكثر ديناميكية في التعامل مع متغيرات المستقبل السريعة، وأن دبي تسعى لخلق شراكات دولية جديدة وسياسات حديثة وأنظمة عمل مبتكرة تمكن الحكومات من الغد ولكن اليوم.
دبي ترفع شعار "غدًا يبدأ اليوم" ومع الشعار يأتي العمل وتظهر النتائج