مرت سبعة أعوام بالتمام والكمال وتشهد سوريا كل يوم سيناريو جديدًا من المعارك على أراضيها، وصارت مرتعًا لشتى الأطماع الإقليمية والدولية فتارةً تحت مسمى المد الشيعي الإيراني وبالتحالف مع حزب الله اللبناني، وتارة في الزحف الأمريكي على الأراضي السورية لضرب قوات الدولة الإسلامية، وثالثة في التدخل الروسي بحجة الحفاظ على بقاء الأسد في السلطة، وفي سبيل ذلك أقامت موسكو عدة قواعد عسكرية في سوريا، ثم الضربات الإسرائيلية المتتالية في العمق السوري، وحدث ولا حرج عن باقي تدخل الأطراف الإقليمية.
وحصيلة ضحايا الهجمات والمعارك اليومية في كل شبر على أرض سوريا 400 ألف قتيل وأكثر من 12 مليون قتيل وأكثر من 12 مليون نازح، وعلى الرغم من الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش ما زالت الحروب مستمرة، وقد بدا غريبًا إعلان بوتين النصر في ديسمبر الماضي من داخل سوريا، والواقع يؤكد أنه لم يتحقق الحد الأدنى من النصر، كما أشار الخبراء، وبعد الإعلان يأمر بوتين بانسحاب جزئي للقوات الروسية، وهو ما يشكل نصف الوجود العسكري الروسي في سوريا، ويرجع بعض المحللين الانسحاب النسبي سببه تفادي الوقوع في الفخ السوري، وطبقًا لتقارير نيويورك تايمز أن موسكو تكبدت حتى الآن 482 مليون دولار.
ويأتي هذا وسط تحذير من البنك الدولي من أن معدل الفقر في روسيا يتصاعد بحدة ،والروبل الروسي يهوي بسرعة أمام الدولار بنسبة تصل إلي 50% ، وأعلن وزير المالية الروسي في نهاية العام المنصرم عن هبوط الاحطياتي الروسي وتآكله شيئاً فشيئاً ،وهذا يكشف الحقيقة خلف إعلان بوتين بالانسحاب الجزئي، فضلاً عن توالي شن القاذفات الروسية الجوية على الأراضي السورية من ارتفاعات عالية، أدت إلى أخطاء في تصويب ضرباتها، مما أحدث تبادلا لإطلاق النار بين المقاتلات الأمريكية والروسية في وادي نهر الفرات الأوسط في 13 ديسمبر الماضي.
ومن ناحية أخري لم يعن المواطن الروسي العادي كل هذا، ويعنيه بالدرجة الأولي تراجع الدخل وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في بلاده؛ حيث إن 73% من سكان روسيا يشتكون من ضعف دخلهم، في حين يظن العالم أن روسيا تعد من أغنى الدول، نعم هي تتمتع بوفرة عالية من الموارد الطبيعية، وأنها تحتل المركز الأول عالمياً من احطياتيات الغاز الطبيعي، ولكنها صوبت هدفها نحو تصنيع السلاح بكل أنواعه وأحرزت تفوقاً في صناعة مراكب الفضاء والطائرات والمفاعلات النووية، لكي تدخل في سباق تسلح مع الغرب، إلى أن صارت دولة رائدة في التسليح، وفي المقابل أهملت صناعات أخرى كالإنتاج الزراعي.
وبعيداً عن واقع الاقتصاد الروسي، يحسب لبوتين أنه أنقذ روسيا من الانهيار ونهض بها إلى حدٍ ما، وحين حضر بوتين المؤتمر الصحفي السنوي الذي تابعه كثير من الروس، لم يذكر سوريا إلا مرة واحدة، لينأى بنفسه عن الوضع المتأزم للقوات الروسية، ولذلك يعلل البعض أن إعلان بوتين بالنصر بأنه فوز مبهم، وتتوالى تداعيات الموقف في مقاطعة كيانات سورية معارضة للاجتماع حول الحوار الوطني السوري بمدينة سوتشي الروسية، وفي الوقت نفسه يلتقي نتنياهو وبوتين بموسكو على خلفية التوتر الحالي في سوريا، وفي وقتٍ سابق بضرب مطار بن جوريون في حال تكرار هجوم إسرائيلي على سوريا، وعلق عليه جنرال إسرائيلي بأن كلام الأسد موجه للرأي العام السوري، ولا يؤخذ تهديده على محمل الجد.
ويبقى استقرار الشعب السوري وعودة اللاجئين أملا بعيد المنال، في ظل توتر قائم ومتجدد في نشوب صراعات إقليمية ودولية طمعًا في الجزء الأكبر من الكعكة السورية.