Close ad

صورة مصر وسمعتها

13-1-2018 | 02:04
لن تجد ألمانيًا يغني بحبه لبلاده، ولا يتباهى باقتصاده، ولكن كل السيارات الفخمة التي تجري في شوارع العالم هي التي تتحدث عن صورة وسمعة ألمانيا.

وكذلك الأمر لليابان، بل إن جواز السفر الأمريكي يحصن حاملة ويشعره بميزة إنه مواطن أمريكي؛ حين ينص علب أن الجيش الأمريكي يحمي حامله في أي مكان بالعالم، وكيف نجحت الصين في تغيير الصورة الذهنية عنها قبل الثورة الشيوعية بأن شعبها لا يفيق من تدخين الأفيون اختفت الآن بعد نهضتها الاقتصادية، وباختصار فإن سمعة الدولة وصورتها في الخارج تصنعها سياسات وقوة الداخل، وقدرة الدولة على تصحيح أخطائها.

بمعنى أن أمريكا قد تخطئ في اختيار رئيسها، ولكنها قادرة على فضحه وربما إسقاطه؛ لأنها دولة مؤسسات بالأساس، والدفاع عن أي خطأ أوتبريره هو من ينتقص من هيبة وسمعة الدول، ومهما كانت الدولة ثرية أو قرية عسكرية لا يضمن لها الاحترام والتوقير أذا كانت لاتحترم حقوق الإنسان، أو لا تمارس الديمقراطية مثلا، وتأتي الدبلوماسية الموازية للقوى الناعمة إحدى الأدوات المهمة الآن في صياغة صورة الدول.

وكلنا يتذكر كيف دخلت مصر كل بيت عربي بالفيلم والمسلسل والمسرحية والأغنية والكتاب والمدرس والطبيب والممرضة، وكانت اللهجة المصرية هي السائدة قبل أن يصبح الغنج اللبناني هو لغة النساء العرب، وقبل أن تسيطر قناة الجزيرة على الفضاء العربي، ليس لقوتها؛ بل للضعف المهني للآخرين، ثم كانت المنظمات الأهلية، خاصة النشطة في حقوق الإنسان وشهاداتها أحد العوامل المؤثرة في صورة وسمعة الدول؛ بمعنى أن تلك الصورة التي تتحدث عنها مصر كثيرًا وتعمل لها قليلا هي حصيلة عمل جماعي، وليست مسئولية وزارة الخارجية أو مؤسسة الرئاسة.

وقد لاحظنا كيف كانت زيارات شيخ الأزهر للفاتيكان ولمسلمي الروهينجا، وكذلك جولات البابا تواضروس مهمة جدًا، بالإضافة إلى علاقات الدولة في محيطها الإقليمي؛ سواء في حسن الجوار أو توترها، وهكذا فإن سمعة الدول وصورتها لايمكن اختزاله وابتذاله بجهالة في حادث أو تحقيق صحفي أو نقد تليفزيوني أو تصريحات لسياسي، وللأسف نحن لا نحسن استغلال أي فرصة وتوظيفها.

وخذ مثلا رهان الكثيرين على المنافسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ برغم تأكد الجميع من فوز السيسي بأغلبية مريحة، ولكن كانت المنافسة الشريفة ستضيف لصورة مصر الكثير.

ولو كنت مسئولا لشجعت عشر شخصيات للترشح على الأقل، ولكن ائتلاف الدببة لا يتعلم أبدًا، ولا يزال يفكر بعقلية الماضي، وكأننا في استفتاء، وليس في انتخابات.

وخذ مثلا كيف انشغل الإعلام بالرد على ماقيل إنه تسريبات، والنفي المبالغ فيه، وكان أبسط رد هو الموقف المصري المشرف بعد قرار ترامب في مجلس الأمن والجمعية العامة، خاصة أن هدف التسريبات كان معاقبة مصر على موقفها.

والغريب إن السفارة المصرية لم تبادر بالرد، بل إن شركة العلاقات العامة - التي تعاقدت معها مصر - لم يظهر لها أي أمارة في التصدي للشائعات التي تنطلق كل حين.

وفِي كل الأحوال إن لم يدرك الكبار أن صورة مصر في الخارج ليست رفاهية، ولكنها قضية أمن قومي، بل أحيانًا ما تتخذ كذريعة للتدخل من الآخرين في الشئون الداخلية والاحتلال كما حدث للعراق.
ونتيجة لعدم المهنية؛ فإن كل وسائل الإعلام المصرية تقدم منولوجًا، وتتحدث مع نفسها وعن نفسها، بدون أن تخاطب الخارج بأي لغة، أو حتى بمنطق.

وبرغم وجود مشروع مصري طموح للتنمية والسلام، وعدم التدخل في شئون الآخرين، يلعب الإعلام بجهالة دورًا عكسيًا، تمامًا كما فعل أحدهم مؤخرًا من سباب لشعب شقيق، وكررته مذيعة لشعب عربي آخر.

والامر عندي أننا إذا أردنا فعلا تحسن صورة مصر في الخارج؛ فعلينا أن نبدأ أولا من الداخل، والبدء بملف حقوق الإنسان ليست لسمعة مصر، ولكن لتشجيع الاستثمار والسياحة، وهي سلعة مصر التي لايمكن لأحد أن ينافسنا فيها.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في

الأكثر قراءة