ألم يظن قاتل المصلين في مسجد "الروضة" أو يتخيل للحظات ذبح أو قتل أمه وأخته وزوجته وفلذات كبده، وإذا استحضر صورتهم وهم ينزفون متوسلين لقاتليهم الرحمة، هل كان ذلك سيردعه ويجعله يرفع إصبعه عن زناد البندقية ليقتل أبرياء سجدًا؟!
سؤال لا أستطيع الإجابة عنه، فأحيانًا القاتل يتملكه اليقين باستحالة المساس بفلذات كبده وذويه، وأنهم بمنأى تمامًا عن أي خطر، ولم يع سيرة الخونة أمثال زعمائه في بطشهم وتضحيتهم بالمقربين إليهم في أي وقت يستشعرون فيه انتهاء مهمتهم.
وأكاد أجزم أن هذا القاتل وأشباهه لا يؤمنون بعقيدة ولا فكر، فهؤلاء مجرد ميليشيات مأجورة، تجيد القتل والقنص وإرهابيون بطبيعتهم، وإذا سلمنا أن لديهم فكرًا دينيًا متطرفًا، فأي دين يحض على قتل عزل يؤدون مناسكهم؟!
وثانيا إن مجموع هؤلاء المصلين لم يسبق لهم مواجهتهم بالسلاح، ولا ينطبق على المجرمين أمثالهم إلا وصف مرتزقة، تحركهم أموال وأهداف عدو يتربص بالوطن، ولو صدق فرض انضمام البعض من المشوشين دينيًا، فقد يتم في بادئ الأمر جذبهم لزرع التطرف في عقولهم من خلال معتقدات خاطئة، لأنهم يمثلون صيدًا ثمينًا وسهلًا، نتيجة لجهلهم عن حقيقة الدين الإسلامي، أو مصابين بأمراض نفسية وعقلية، إثر التنشئة الأسرية والبيئية المنحرفة، ثم يصبحون فريسة تنقاد في يد الخونة كالنائم مغناطيسيًا، ويستخدمونهم كحطب الوقود في إشعال الفتنة بين المسلمين، وتسويقهم إعلاميًا للهجوم على سماحة الدين.
ومع مرور الوقت تصدأ قلوبهم، ولا يرون إلا ما يرى زعماؤهم، ومع الأسف لم يصل إلى مسامعهم حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن عائشة رضي الله عنها أن يهودًا أتوا النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالوا السام عليكم، فقالت عائشة: عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: ألم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم. ولا يستجاب لهم في.
وبديهيًا يصاب الإنسان بالهلع فور مشاهدته الدماء، وقد تصل عند البعض إلى فقدان الوعي جراء المشهد لاختلال في ضربات القلب، ومشاهد القتل ونزيف الدماء تثير الجهاز العصبي، وتبث التوتر والشعور بالقلق والحزن، فضلا عن شعوره بانعدام الأمان، والخوف من المجهول، هذا حال الشخص الطبيعي حينما يصطدم برؤية الدماء، أما من يتجرأ ويقتل مرة تلو المرة فيتحول لشخص بربري ذي نزعة إجرامية، لا يفرق حين يأمر بالقتل بين مذنب وبريء، والإنسان البربري لا يهمه إبادة من حوله؛ حتى ولو كان فيهم ذووه، والدم صار لديه مجرد لون لا يسبب له فزعًا، فموته هو شخصيًا يضعه نصب عينيه، وأعتقد حين يصلي ويصوم ويقيم مناسك الدين، لا يدرك مغزى أو حكمة ما يردده من آيات وعبادات، وأن صحيح العقيدة لديه ما تلقاه من شيوخ الفتنة من لي حقائق الإيمان، أو بعد عن الدين، ويتظاهرون به كالمنافقين وهم أشد كفرًا، وكما قلنا آنفا إنه نتيجة لجهله بمفهوم الإسلام.
ونرى المنقادين في المنظمات الإرهابية أغلبهم في عمر الزهور، وتتراوح أعمارهم ما بين 16 و 28 سنة، لسهولة السيطرة والتأثير عليهم، وبينهم من يسعون لجلب المال وتحقيق الحلم بالثراء وإشباع ملذاته، أو السعي للسيطرة على الأرض والحرث والنسل، فضلا على أنهم يرتدون عباءة الدين ويطلقون اللحى، ليتخفوا خلفها ويجذبوا لديهم مزيدًا من الأغبياء وذوي الأمراض النفسية.
ومما لا شك فيه أن الدول التي تعاني من ويلات الحروب والتقسيم بيئة خصبة لانتشار تلك التنظيمات والميليشيات، وتتأثر بها دول الجوار، بل والعالم كله، ولا سبيل لمواجهة هؤلاء إلا من خلال وعي حقيقي، ودراسة عميقة كي يتم التصدي لهم، ولابد من الحد من امتدادهم بمنتهى الحزم، وعلى الجميع أن يتكاتف مع توخي الحيطة والحذر من حيل أعدائنا.