في ١٩٧٤ عين السادات علي أمين مديرًا لتحرير الأهرام، ثم بعد ذلك عينه رئيسًا لتحريرها، فغادرها هيكل فيما سمي الانصراف القسري.. لكن مسيرة حياته فيما بعد أكدت ما أراد أن يرد به ويقوله (الجورنالجي الحقيقي لا يموت)!
في الكتاب الممتع المهم للأستاذ أنور عبداللطيف (الوصايا الأخيرة) أضاف هيكل عددًا من وصايا الأب الروحي للأهرام وصناعة الصحف الورقية في مصر.
ذكر فيها بيت الشعر القائل (لا تظلموا الموتى وإن طال المدى.. إنى أخاف عليكمو أن تلتقوا)
وفهمت منه أن كل قرار اتخذه ملك أو رئيس أو زعيم كان مرهونًا بظروف ووقت قد لا نعرف خلفياته وتفاصيله وطبيعة الظروف والضغوط فيه؛ لذا من الظلم أن نقيم الأشخاص والقرارات بعيدًا عن سياقها التاريخي.
وأضاف الكتاب: من الطبيعي أن يكون الصحفي مصدر الخبر الصادق، لكن الأروع أن يشارك الصحفي في صناعة الحدث!
وفي الصحافة مخرج صحفي قد لا يعرف اسمه أو طبيعة عمله القارئ العادي؛ لكن هيكل كان يوليه اهتمامًا واحترامًا كبيرين؛ فهو الرجل الذي يرسم صفحات الجورنال ويوزع فيها العناوين والصور، ويحدد البنط وحجمه ولونه، ويسهل مهمة القراءة على العين دون أن تراه العين.
وعن هذا الجندي المجهول قال هيكل (المخرج والمؤلف) لابد أن يكون بينهما حوار كما هو العمل في السينما؛ وذلك أقصر الطرق لإيصال المعنى والمغزى الكامن في المقال.
الكتاب يقدم أيضًا وينفرد بجمل خطيرة وخالدة لهيكل منها:
(إذا عجزت الأنظمة عن تطويع إرادة الناس بالكلام تولى السلاح مهمة إخضاعهم)!
تلدغ أمة العرب كالعادة من جحر واحد مرتين وثلاثة وأربعًا، برغم أن أبجديات الدين التي يتنافس على حمل رايته المتنافسون تعلمنا أن المؤمن الحق لا يلدغ من جحر مرتين!
الحضارة لا تجيء بالاستعارة.
عبد لناصر كان عنده أفكار صحفية ممتازة، وكان في الخطابة يبسط الحقائق كي تصل للناس.. وكان حلم حياته أن يعمل في "الأهرام".
أما السادات فقد مارس الصحافة، ويعرف قدر ومعنى رئيس التحرير.
أزمة الصحافة المطبوعة ليست بسبب البدائل الإليكترونية، ولكن بالأساس لأنها تخلت عن وظيفتها في تقديم الخبر الجديد، ثم في التثقيف، ثم في التسلية بالدرجة الثالثة.. ولن ينصلح الحال إلا إذا تنبهت أن القارئ هو مالكها وسيدها!
الخيال هو في المقدمة لأي إنتاج فلسفي أو رؤية منظمة في أي شيء
التحدي أن تصل بالكلمة إلى حيث لا تصل عيون الكاميرا.
لا بديل عن صحافة عصرية بأصول وقواعد، و"الأهرام" مؤهلة للقيام بهذه المهمة.
الصحافة الآن أغلبها (صحافة ملو المقطف) تعتمد على كم الأخبار والشائعات على الفيس بوك أكثر من المعلومات والقارئ صار صحفيًا والصحفيون المحترفون للأسف لايقرأون.. الكلمة خالدة لكن صحافة ملو المقطف لا تبني أمة!
إننا نحتاج المقال الذي يفسر ويحلل ويشرح الأخبار والقضايا الكبيرة، بينما صحافة النميمة والإثارة لا تستحق النشر.
وعند القيادة وفي العمل الصحفي ضروري جدًا أن تطلب من كل شخص ما هو مستعد لأدائه وقادر عليه!