تشير نتائج بحث حديث للبنك الدولي إلى أن كل دولار ينفق على التعليم قبل الأساسي يحقق عائدًا قد يصل إلى سبعة عشر دولارًا من خلال زيادة الإنتاج للفرد المتعلم، هذا فضلًا عن توفير صحة وبيئة أفضل للجميع، ولذلك تتجه كثير من الدول الآن لزيادة الإنفاق على التعليم في كافة مراحله، بل وتعميم المجانية للتعليم قبل الأساسي.
هذه رسالة واضحة من أكبر مؤسسة رأسمالية تهتم بالربح والعائد المادي، لكل من يرون أن التعلم عبء، وأن مجانية التعليم للدول الغنية فقط، وهنا أن نذَّكر من يرون أن التعليم ليس من أولويات مصر الآن بمقولة غاندي: ((نحن ننفق على التعليم كثيرًا لأننا فقراء)).
إن مجانية التعليم في الخمسينيات والستينيات، هي السبب الأول في العائد السنوي للمصريين بالخارج، والذي يقدر بنحو 20 مليار دولار سنويًا ولولا هذه المجانية كانت مصر تستورد المعلم والطبيب والمهندس من الدول المجاورة، وتدفع لهم عشرات بل مئات المليارات.
ونطالب أعضاء مجلس النواب بإلزام الحكومة بالمادة 19 من الدستور، والتي تلزم الدولة بتوفير أو تخصيص 4% من الناتج القومي للإنفاق على التعليم كحد أدنى يتصاعد بعد ذلك للمستويات العالمية والمادة 21 من الدستور والتي تنص على تخصيص 2% من الناتج القومي للتعليم الجامعي هذا فضلا عن نسبة الإنفاق على البحث العلمي.
التعليم اليوم صناعة واستثمار، وفي هذا السياق يقول د.محمد لطفي نائب رئيس جامعة كارديف في إنجلترا، وهو من أكبر خبراء التعليم في المنظمات الدولية (إن نهضة مصر يجب أن تعتمد على التعليم في المقام الأول من خلال إقامة نظام تعليمي حديث يمكن تصديره لمن حولنا).
وكلام د.محمد لطفي عن أهمية التعليم لمصر يعتمد على ماضي مصر وتاريخها وجغرافية مصر وموقعها، فتاريخ مصر وانتشار علمائها في كل التخصصات، وبداية من عالِم الأزهر إلى أساتذة الطب والهندسة ومختلف التخصصات الأخرى أسهموا جميعًا في نشر التعليم والثقافة، وتحقيق نهضة شاملة في مختلف أنحاء الوطن العربي وكثير من البلدان الإفريقية، وبحكم الجغرافيا والموقع يسهل تصدير العلم واستيراده.
وتاريخ مصر الحديث منذ الخمسينيات والستينيات وحتى الآن يؤكد أن معظم المعلمين بكل المراحل في الدول المجاورة مصريون، ومن هنا فالتعليم صناعة واستثمار، وبحكم تاريخ وموقع مصر، قد يتجاوز العائد للتعليم سبعة عشر دولارًا إلى أضعاف ذلك لمصر، في ظل حاجة الدول المحيطة للمعلم والمهندس والأزهري المصري.
ولذلك كما قال غاندي فالتعليم الوسيلة الأساسية لمواجهة الفقر، وفي هذا الشأن يشير تقرير التنمية البشرية في العالم لعام 2016 إلى أن مستوى الفقر انخفض في الصين بعد نهضة التعليم من 66% عام 1990 إلى 9.1% عام 2013، إن التعليم الجيد هو الوسيلة الأساسية لحل مشكلة تزايد السكان؛ لأن التعليم الجيد الإلزامي للفتاة يعني ارتفاع سن الزواج وانخفاض معدل الخصوبة، هذا فضلا عن نشر الوعي الصحي والبيئي والمجتمعي بوجه عام، وبالتالي فالتعليم هو الوسيلة الأساسية لتحسين نوعية حياة المواطن.
والتعليم الجيد هو الوسيلة الأساسية لمكافحة الإرهاب ومواجهة الفكر المتطرف؛ لأن الإرهاب ينشأ ويترعرع في بيئة الجهل والفقر، وإذا رجعنا لوضع التعليم الحالي في مصر فنجده خارج التصنيف العالمي تقريبًا، وتأتي مصر في ذيل القائمة للأسف.
والمنظومة التعليمية في كل أبعادها ومراحلها في حاجة لتغيير شامل وثورة حقيقية لوضع مصر على بداية الطريق؛ وحجة محدودية الموارد غير مقبولة؛ لأن الوسيلة الحقيقية لزيادة الموارد هي التعليم، وإذا عدنا مثلا لموعد بدء الدراسة هذا العام لا نجد مبررًا واضحًا أو حجة واحدة لتأخير الدراسة في مراحل التعليم العام إلى 23 سبتمبر، ولماذا لم نبدأ في 9 سبتمبر مثلا هل يعقل أن يكون الفصل الدراسي - وفقًا لخطة الوزارة - 14 أسبوعًا منها امتحان نصف الفصل، وهذا فضلا عن الإجازات، فهل 13 أسبوعًا دراسيًا كافيًا، يعني في العام كله 26 أسبوعًا.
هذا يعني أن الدراسة 26 أسبوعًا × 5 أيام =130 يومًا، وإجازات لن تقل عن عشرة أيام والدراسة 120 يومًا تقريبًا في العام أي أننا نهدر أكثر من 65% من أيام السنة بغير الدراسة أو تعليم، وللعلم فإن مجال التعليم يضم نحو من 25 إلى 30% من الشعب ما بين طلاب ومعلمين وإداريين يعملون ثلث العام.. فهل هذا تصرف دولة فقيرة تهدر هذه الثروة البشرية والمادية بهذا الشكل بحجة الميزانية والموارد، وهذا يتطلب إعادة نظر ليس فقط في مواعيد بدء وختام الدراسة، ولكن في نظام الفصل الدراسي؛ لأنه لا يناسب إمكاناتنا وظروفنا، حيث يصعب إجراء جميع الامتحانات في كل الفصول أو المراحل في الوقت نفسه.
المشكلات متنوعة وعديدة وتستلزم مؤتمرًا قوميًا لمواجهة مشكلات التعليم في مصر للخروج بإستراتيجية واضحة لوضع مصر على الطريق الصحيح، وهذه مسئوليتنا أمام أولادنا وأحفادنا ومصرنا الحبيبة.
كاتب المقال:
أستاذ علم الاجتماع البيئي جامعة عين شمس