Close ad

إسعاف الإسعاف.. وحكومة الكباري العلوية

7-9-2017 | 00:10

للأسف الشديد افتقدنا الاختناق المروري الذي تشهده يوميًا شوارع القاهرة بالسيارات و"التكاتك" وغيرها وخصوصًا في ميدان الإسعاف - حيث مقر عملي في جريدة الأهرام - خلال عطلة عيد الأضحى المبارك؛ بسبب النزوح الكبير المعتاد في مثل هذه المواسم للمغتربين من أبناء الجالية المصرية بالقاهرة لبلدانهم، وهو شيء طيب وجميل، ولكن ما أزعجني هو أن بسبب السيولة المرورية - غير المعتادة - افتقدت القاهرة أهم معالمها التي اعتدنا عليها، وشعرت بعدم الارتياح والغربة؛ لأن من اعتاد على الزحمة والتلوث، أصبح من الصعب أن يعيش من غيرهما!!

وأنا ممن ينالون يوميًا - وغيري من المواطنين الغلابة - قدرًا كبيرًا من الطاقة السلبية بسبب استحالة ضبط الأداء المروري في ميدان الإسعاف؛ لأنه ترانزيت المواطن الغلبان من وإلى كافة بقاع القاهرة الكبرى، والزحام به لم يعد يقتصر على السيارات فقط، ولكن على المشاة أيضًا.

ويبدو للأسف أن إيجاد حل جذري لاختناق ميدان الإسعاف بات من المستحيلات، وزادهم واحد وأصبحوا أربعة ليصبح المثل من خامس المستحيلات.. وأصابني ما ذكره الدكتور مأمون فندي في إحدى مقالاته عن ازدياد عدد الكباري العلوية في مصر - والقاهرة الكبرى بالتحديد - للتحايل على الزحام المروري، وعدم الانضباط في شوارع القاهرة والميادين، بالتحديد بمزيد من الإحباط على ما لدي من إحباط..

فمنطقة الإسعاف عندما كانت القاهرة أجمل عواصم العالم.. كانت مثل المطافئ في العتبة تم وضعها في موقع إستراتيجي تستطيع التحرك منه وانطلاق سيارات الإسعاف بسرعة إلى أي مكان في القاهرة حتى تستطيع إنقاذ حياة مريض أو مريضه، ولكن للأسف الشديد أصبحت الآن تحتاج إلى إسعاف حتى تخرج من ميدان الإسعاف فقط وليس لإسعاف مريض أو حالة طارئة..

والمتأمل للحالة المرورية في القاهرة الكبرى سيصاب بسكتة دماغية إذا حاول إيجاد سبب واحد للإصرار على إبقاء الوضع على ما هو عليه، ولن يجد من يسعفه؛ لأن الإسعاف مزنوقة في ميدان الإسعاف.. وللأسف فإن القائمين على الأمر يلجأون دائمًا للحلول السهلة، وهي الكوبري العلوي، وأصبحت القاهرة مليئة بالكباري العلوية وحتى المجتمعات العمرانية الجديدة؛ مثل مدينتي الشيخ زايد وأكتوبر مثلا ستجد العمل يسير على قدم وساق وكوبري علوي ضخم يتم إنشاؤه.

والشهادة لله أن الشركة القائمة على تنفيذ الكوبري تعمل فيه ليل نهار وهي شركة وطنية ضخمة تنفذ حجم أعمال ومشروعات عملاقة في مصر وخارجها.. ما علينا وطبعًا السبب هو التكدس المروري الذي يحدث عادة في الميادين الكبرى والاختناقات المرورية قد يكون السبب فيها عدم الالتزام بالقواعد المرورية، وعدم الالتزام بأماكن وقوف السيارات - الخاص منها والنقل - وأيضًا عدم الالتزام بعدم منح تراخيص البناء إلا في حالة وجود جراج في كل عمارة أو سكن، أو فرض رسوم عالية على أماكن الانتظار داخل القاهرة ووسط البلد؛ مثلما يحدث في لندن وباريس ونيويورك وحتى نيودلهي، إذا التزمنا بالقانون لن نحتاج إلى كباري علوية..

لكن لماذا الإصرار دائمًا على اللجوء للحلول السهلة وهي الكباري العلوية برغم التكلفة العالية لها.. وظاهرة الكباري العلوية لا تقتصر فقط على المرور أو الاختناقات المرورية، بل أصبحت فلسفة لدى الحكومات المتعاقبة على مصر، وهي إستراتيجية الكوبري العلوي؛ أي مشكلة تسبب أزمة تقوم الحكومة بالإسراع بكوبري علوي لحلها مثل ظاهرة التعديات على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بدلا من القضاء على الظاهرة بالقانون تعمل كوبري علوي بتشريع لتقنين أوضاع المعتدين على الأراضي الزراعية ومخالفات البناء وأملاك الدولة..

مشكلات الفلاحين والزراعة "برضه" تلجأ الحكومة إلى الكوبري العلوي مثل مواجهة النقص في المحاصيل الزراعية الإستراتيجية بالاستيراد، وكذلك تتكرر سياسة الكوبري العلوي في كافة الوزارات والقطاعات؛ والأمثلة عديدة منها مثلا لو تتذكرون مشكلة نقص ألبان الأطفال بدلا من تشغيل المصانع المتوقفة لجأت الحكومة للاستيراد عن طريق جهاز الخدمة المدنية، ونفس سياسة الكوبري العلوي تتبعها الحكومة مع مشكلة جشع التجار عندما يقومون برفع أسعار السلع مثل الدواجن بدلا من حل مشكلة قطاع الدواجن وتشجيع الإنتاج المحلي تلجأ للكوبري العلوي، وهو تخفيض رسوم استيراد الدواجن..

نفس سياسة الكوبري العلوي "هتلاقيها" في التعليم والصحة والصناعة والتجارة حتى في الإعلام..

حياتنا كلها أصبحت كباري علوية.. فبدلا من إسعاف الإسعاف عن طريق تنفيذ القانون وضبط الأداء المروري في الشارع، وتطبيق القانون على الجميع، والقضاء على ظاهرة الميكروباص المتوحشة.. تلجأ الحكومة لسياسة الكوبري العلوي.. بالله عليكم كفانا كباري علوية.. والله المستعان

اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة