من المواعظ القصيرة قالها صديقي أحمد سعد (الصاحب ساحب) بالفعل صديقك إما يأخذ بيدك لطرق الخير، أو يسحبك لطرق الشر وكم التقينا بهذه النماذج في حياتنا، فقلما تجد الصديق المخلص الصادق ينصحك ويوجهك للخير، وكالشجرة تستظل بها لتستريح وتأكل من ثمارها، تنفعك ولا تضرك، وليس أبلغ من قوله عز وجل في سورة الأنفال (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
آثرت الكتابة في هذه القضية بسبب ما نراه من انفلات خلقي سيئ وعقوق وهدم للقيم الإنسانية، واتباع الخلق الرذيل، وتأثر أبنائنا به مثل ما يسمى "التاتو" من وشم بأشكال غريبة على الجسد، وتغيير لخلق الله، واتباع شهوات الشيطان والنفس، وتقليد أعمى لكل ما هو جديد لا يمت للخلق الحسن بصلة، وأما الفتيات فيرتدين الملابس الضيقة، ويقومنَّ بتغطية الرأس بقطعة قماش، إنما هو من اتباع الهوى والابتعاد عن الفضائل.
حذرت كل الأديان السماوية من سوء اختيار الصحبة؛ خاصة رفقاء السوء الذين يجاهرون بالمعاصي، ويباشرون الفواحش دون وازع ديني وأخلاقي؛ لما في صحبتهم من الداء والوباء في مجالستهم، وحثت الأديان على اختيار الصحبة الصالحة، والارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسيت ذكروك وإذا ذكرت أعانوك، ومن الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الصديق الصالح الوفاء والأمانة والصدق والبذل والإخاء.
ومن فضل الصحبة الصالحة قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما أعطي العبد بعد الإسلام نعمة خيراً من أخ صالح، فإذا وجد أحدكم ودًا من أخيه فليتمسك به "وقال الإمام الشافعي" إذا كان لك صديق يعينك على الطاعة فشد يديك به فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهلة "وقال الحسن البصري" إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة ومن صفاتهم الإيثار، وقال لقمان الحكيم لابنه يا بني؛ ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان بالله أخا "صادقا" فإنما مثله كـ "شجرة" إن جلست في ظلها أظلتك وإن أخذت منها أطعمتك وإن لم تنفعك لم تضرك.
بينما الصحبة خارج الأوطان تظهر معادن الناس كالشمس في ضحاها، فكثيرًا ما تجد من يتهرب منك لمجرد معرفته أنك تريده، وقد تكون قد أسديت له معروفًا أو قضيت له حاجة، ومنهم من لا يستأمن على سر، والطماع والأناني وصاحب مصلحته بعد أن تنتهي لا يعرفك ولأجل مصلحته يتودد منك ويكاد يقبل يديك لتقضي حاجته، وأشرهم الخائن للأمانة، ويأكل أموال الناس بالباطل، وهؤلاء كثيرون، مهما تفعل معهم كأنك تريد إمساك الهواء ولن تقدر، بينما الصديق الصالح - كما يقول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" - مثل حامل المسك، وقال "صلى الله عليه وسلم" (المرء على دين خليله فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يخالل) فافعل ما يمليه عليك ضميرك ويرح قلبك.
الصحبة الصالحة تنتج إنسانا صالحا في دينه وخلقه . كذلك الصحبة السيئة تنتج إنسانا عاريا من الخلق غير صالح للمجتمع بل ميكروب يقضي على الأسرة والمجتمع ، ومصاحبة أهل المعاصي تهون المعصية - كما يقول الإمام الغزالي - أما المصر على فساده فلا فائدة في صحبته، ومشاهدته تهون أمر المعصية على النفس، وتبطل نفرة القلب عنها، ومن لا يخاف الله لا تؤمن غوائله ولا يوثق بصداقته بل يتغير بتغير الأغراض، فصاحب السوء متقلب حسب المصلحة، فأهلك نفسه وصاحبه، وغير مؤتمن على الصحبة؛ لأنها أمانة، ولا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره.
يقول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق، و ثمرات الصحبة الصالحة حسن الخلق وثمرة حسن الخلق الألفة وانقطاع الوحشة وفي الحديث "المؤمن ألف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.
كثيرا نلتقي أشخاصًا نحسبهم على خير بينما الحقيقة استخلاص مصالحهم وهمهم أنفسهم، ومن يريد نهشك وسرقتك وتركك بلا شيء، وآخرون يلتفون حول الناس بالحيل والمكر للنصب والاستيلاء على أموالهم بتوظيفها في مشروعات وهمية، وبيع الوهم ويحتالون على الشباب الباحثين عن فرص عمل بالخارج لجمع المال الحرام، وبعد بيع كل ما لديهم، وإعطائه لسماسرة السفر يقعون فريسة، وإما يعود الشاب مفلسًا أو جثة هامدة من الموت غرقًا.
ومنهم تسدي له معروفًا ويرده لك منكرًا وسوءًا وتشويهًا وكذبًا وافتراءً، وأشرهم من يجذبون الشباب والفتيات لتعاطي المخدرات وطريق السوء والمنكر والفحشاء والرذيلة، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" «مَثَلُ الجليس الصَّالِح والجَليس السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً».
بينما وصايا التابعي الجليل علقمة بن قيس رحمه الله لابنه يا بني إذا عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤنة مانك - أي كفاك - واصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، ولإن رأى سيئة سدها، أصحب من إذا سألته أعطاك، وإن سكت ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك، أصحب من إذا قلت صدَّق قولك، وإن حاولت أمرا آمرك - أي أعانك - وإن تنازعتما آثرك، وهي وصية جامعة ثمارها مضمونة لمن عمل بها.