Close ad

الفتنة لا تقتلها مباراة طائفية في كرة القدم

24-8-2017 | 14:54

توقفت مليًا أمام الخبر، ورحت أقلبه على كل جوانبه، وبالرغم من حسن النيات المغلفة له والمحيطة به، وبالرغم من النبل والوطنية والرغبة الصادقة التي جمعت هؤلاء الشباب معًا، إلا أنني أحسست بغضب كبير، وقلت في نفسي فعلا: الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة.

والحكاية أن عددًا من شباب مدينة "أرمنت" التاريخية جنوب الصعيد نظم مباراة في كرة القدم، وهو أمر عادي لا غبار عليه، لكن الغبار في تحديد الطرفين اللذين لعبا المباراة، وكانت بين شباب مسلم وشباب مسيحي، تحت شعارات رائعة، وهي إرساء قيم المحبة والسلام، وغرس الروح الوطنية بين جميع سكان المدينة، إذ كانت المباراة ردًا على محاولات خبيثة لإشعال نيران فتنة طائفية..

فعلا النية حسنة والغرض نبيل، لكن الوسيلة منتهى الفتنة الطائفية، فكيف لم يتقد عقول المنظمين وتفهم المغزى السيئ الكامن في تنظيم مباراة بهذا التشكيل الطائفي، شباب مصري مسلم في نصف ملعب، وشباب مصري مسيحي في نصف الملعب الآخر، أي عقل فكر فيها ونفذها؟ قطعًا هو عقل مأزوم لا يستخدم التفكير العلمي المنظم في قراراته، وإنما يهرول مأخوذًا بأي فكرة تطق في دماغه دون أن يختبرها بأسئلة ضرورية.

ومن المؤكد أن "مركز شباب أرمنت" استأذن الأمن، وأخذ موافقة شفاهية أو كتابية، الله أعلم، وإلا ما ورّط نفسه في تنظيم مثل هذا الحدث؛ لأن أي مباراة في كرة القدم معرضة في لحظة لانفعالات هائجة غير منضبطة من حماس اللعب، والحماس صفة ملازمة للشباب عمال على بطال.

أي أن الذين وافقوا على تنظيم المباراة لم يفكروا كثيرًا أو قليلًا في مغزاها، أو حتى معناها المباشر، وربما صفقوا لأنفسهم حين واتتهم الفكرة، أو وقفوا تعظيمًا لصاحبها قائلين: الله عليك فكرة تجنن.

بينما هي فكرة رديئة، وما كان يجب أن تتم، ويجب ألا تتكرر مرة ثانية، فالمصريون المسلمون، والمصريون المسيحيون ليسوا طرفًا في مباراة للصلح بين قومين غريبين متنازعين أو متخاصمين أو متعاركين، والمباراة محاولة سياسية لإزالة الشك والريبة، ومد جسور مبدئية من الثقة، كخطوة لإنهاء خلافات مذهبية أو عرقية أو حدودية أو تاريخية، المسألة هنا مختلفة، فالطرفان مواطنون متساوون في دولة واحدة، يعيشون في شرايينها، كما تعيش مكونات الدم في شرايين أي كائن حي، وفصل مكونات الدم عن بعضها بعضًا - بغض النظر عن نسبة كل مكون فيها - يعني نهاية هذا الكائن.

فكيف ننظم مباراة بين مكونات دم واحد؟
تنظيم المباراة فكرة خطرة، فريق مسلم يلاعب فريقًا مسيحيًا، فكرة ضد المواطنة وحقوق الإنسان، فكرة طائفية بامتياز.

زمان ونحن صغار في حي شبرا - حي التسامح والروح المصرية الطيبة - كونَّا فريقًا اسمه "المحبة" نلاعب فرق الشوارع والأحياء المجاورة، وكان مجدي ويصا وفوزي شحاتة من فريق شارعنا، ولم نكن وقتها نعرف أو نسمع أو نتوقف أو يخطر في بالنا لفظ مسلم ومسيحي.

وكان مجدي لاعبًا أساسيًا؛ نظرًا لمهارته العليا، وفوزي احتياطيًا وقت اللزوم، وذات مرة عاد إلينا مجدي بإصابات في وجهه وذراعه اليسرى، سألناه عما حدث، وعرفنا أنه كان يلعب مع فريق من الكنيسة الواقعة في منتصف شارع خماروية، ونشبت مشاجرة نال فيها علقة ساخنة، فغضبنا وصممنا أن نثأر له: كيف لابن حتتنا أن يضربه أولاد شارع آخر؟! واتفقنا مع مجدي وفوزي على يوم الرد وأخذ حقه.

وفعلًا اجتمعنا ليلًا وقمنا بغارة على شارع المعتدين، ضربناهم وعدنا جريًا ومجدي يهلل سعيدًا باسترداد كرامته، أولاد شارعنا ضد أولا الشارع الآخر البعيد، لم يكن الدين يفصل بيننا، بل أصلًا لم نفكر فيه بهذا الشكل.

كنّا فريقًا واحدًا من مسلمين ومسيحيين ضد فريق آخر من مسلمين ومسيحيين، فكيف يأتي علينا وقت ننظم فيه مباراة بين فريق من المسلمين ضد فريق من المسيحيين؟! هذا تفكير معوج، وكان يجب أن يكون الفريق الأول مكونًا من: (بطرس ومحمد ومينا ومصطفى وياسر وأمين.. وغيرهم)، يمثل جزءًا من أرمنت، والفريق الثاني من: (حنا وأحمد ودانيال وبيومي وزعتر وموسى وإبراهيم وغيرهم)، ويمثل جزءًا آخر.

نحن أمة واحدة، تتكون من عرق واحد، ولغة واحدة، وثقافة واحدة، وعادات وتقاليد واحدة، نحن مصريون أيًا كان لون بشرتنا، أو ديننا، أو فصيلة دمنا، أو ثروة كل منا، أو جنسنا، فلا نفترق فرقًا طائفية تلاعب بعضها بعضًا باسم وأد الفتنة الطائفية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
نسل الأغراب .. وهج من الألعاب النارية

لم أصفق لقرار وقف التعامل مع المخرج محمد سامي، وربما لم يعجبني وأحسست ببعض الألم، فهو قرار أقرب إلى التشهير من مجرد موقف غاضب من مخرج ارتكب شيئًا لم يعجب

لماذا نفشل فى مواجهة الفساد؟

رغم سذاجة السؤال إلا أنه سيف حاد راشق فى جنب المجتمع، يُسود معيشته دون إجابة شافية له، قطعا لا يوجد مجتمع على كوكب الأرض قَطَعَ دابر الفساد والفاسدين،

ليست أزمة الدكتور عبدالعال وحده

مسألة محيرة فعلًا، تشغلنا أحيانًا وننساها أحيانًا، نفسرها أحيانًا ونغلب فى تفسيرها أحيانًا، لكن لا تغادر مخيلتنا أبدًا، وهي علاقة المصريين بالسلطة، سواء

مؤامرة في حزب الوفد

تباينت المشاعر واضطربت بين موجة من الضحك وحالة من الرثاء، وكيف لا نضحك ونحن نسمع عن وأد مؤامرة كبرى من الجيل الرابع داخل أروقة بيت الأمة وفصل عشرة من المتآمرين

الأكثر قراءة