قديمًا، كان يوجه إلى الأفلام السينمائية تهمة إفساد الأجيال الجديدة من الشباب والنشء، وكانت الرقابة التليفزيونية صارمة فيما تذيعه من أفلام سينمائية، حتى كانت تحذف مجرد كلمة خارجة عن الآداب.
حتى ظهرت لنا الفضائيات، وأصبحت الساحة مفتوحة على مصراعيها، أمام الدراما التليفزيونية التي أصبحت لا يخلو مسلسل منها من ألفاظ ومشاهد لا تتناسب مع العرض التليفزيوني المنزلي، ولا مع أي قيم أو أخلاق اجتماعية.
وفي ظل تنافس فضائي محموم، أصبح المذيعون والمذيعات، يتنافسون في عرض أشياء غريبة على المشاهدين، منها مثلًا تلك التى استضافت سيدة "ملحدة" تدعي أن القرآن الكريم من تأليف سيدنا محمد، وبعد أن تلقي بقنبلتها تطردها من الأستوديو، وكأنها لم تكن تعرف ماذا ستقول الضيفة، وذلك المذيع الذى كان يستضيف من يدعي أنه قادر على تسخير الجن في إطفاء الحرائق التي تندلع في بعض القرى بالصعيد، وتلك التي سجلت حلقة من حمام شعبي في ىوسط البلد، متهمة رواده بأنهم مثليون، وقد برأهم القضاء، وها هي مذيعة جديدة تفاجئ المشاهدين بإخراجها كيسًا به "مادة بيضاء"، وتستنشق نصفها وتضع النصف الثاني على كحكة تتناولها، وتقول "إنني وعدت أحد المتصلين إني هشم هيروين على الهواء، وأنا وفيت بوعدي، بس حلوة الشمة أوي".
فماذا يريد أمثال هؤلاء المذيعون من المشاهدين؟ وما هي الرسالة التي يقدمونها له؟ وما هي القيم التي يريدون بثها بأمثال هذه القضايا التافهة، اللهم إلا زيادة الإقبال على مشاهدة برامجهم، وبالتالي زيادة الإعلانات بها، فلم تنته قضايا المجتمع المصري السياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى نلجأ لمثل هذه القضايا التافهة لنناقشها.
وإذا كان حمدي الكنيسي، نقيب الإعلاميين، قد أعلن عن وقف المذيعة لمدة 3 أشهر بسبب خروجها الصارخ عن المعايير المهنية والأخلاقية، فقد أحسن صنعًا، وأنه حال استمرار البرنامج بالبث دون تنفيذ قرار النقابة سيتم معاقبة القناة، وإن كنت أتمنى معاقبة القناة نفسها أيضًا فى مثل هذه الحادثة الخطيرة، وليس مجرد تحذيرها ووقف البرنامج لمدة حلقتين من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
أما ادعاء المذيعة أنها عملت مشهدًا تمثيليًا، وأحضرت سكر بدرة وليس هيروين، فإن الضرر قد وقع بالفعل على المشاهد؛ سواء كان ما تناولته كان هيروين أو سكر، ويبدو أن هذه المذيعة تجرى وراء الشهرة بغض النظر عن قيمة ما تقدمه، فمرة تظهر في إحدى الحلقات بصحبة "جمجمة" ومرة تنشر فيديو لخيانة سيدات لأزواجهن، بل إنها تتحدى نقابة الإعلاميين عبر صفحة برنامجها، بإن برنامجها مستمر، حتى وإن تم وقفه على القناة، فستقدمه لايف على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"يوتيوب".
وقد أحسن الأعلى لتنظيم الإعلام بتشكيل لجنة قيم؛ لبحث أداء وسائل الإعلام المختلفة من حيث المحتوى والمظهر والأداء الصارخ، الذي يخرج أحيانًا عن حدود اللياقة، وحذر مكرم محمد أحمد رئيس المجلس، وسائل الإعلام من الإتيان بأي سلوك مخالف، وإلا سيتعرض صاحبه للعقوبة، وربما تكون مهمة هذه اللجنة أن تتصدى بكل قوة لمثل هذه الأخطاء، لضبط المشهد الإعلامي الذي ينزلق إلى تجاوزات يدفع المجتمع المصري ثمنها غاليًا.