Close ad

سلطنة عُمان دولة العقل العربي الناضج

13-7-2017 | 18:04

كان لابد من وجود رجل بحجم السلطان قابوس بن سعيد، ودولة كسلطنة عُمان في تلك المنطقة الخليجية، التي تعيش فرق بركان من الثروة والثورة الصامتة، وكنموذج للتعامل الهادئ، وسط أمواج عربية متلاطمة، برغم وقوع السلطنة بين قطبي الصراع الطائفي الكبيرين السعودية وإيران.

صحيح أن قابوس يعاني حالة مرضية منذ سنوات، ولكن لا أحد يشعر بغيابه؛ نتيجة استمرار السياسات التي أصبحت مميزة بضبط النفس والرزانة، جعلت من السلطنة وسيطًا مقبولًا من جميع الأطراف، وهو ما دفع دول مجلس التعاون الخليجي لكي تقبل من السلطنة ما لا تقبله من بقية الأعضاء.

ومن المعروف أن السلطنة عارضت - منذ البداية - مشروع إقامة اتحاد بين دول مجلس التعاون الخليجي، الذي تم عرضة عام ٢٠١٣، ويومها هدد يوسف بن علوي عبدالله وزير الشئون الخارجية بانسحاب بلاده من هذا التجمع، وكانت أن رفضت قرار السعودية والبحرين والإمارات بسحب سفيرها من الدوحة في تكرار لما فعلته عام ٢٠١٤، عندما أقدمت الدول الثلاث على الخطوة نفسها بعد فشل كل الجهود في إقناع قطر بضرورة الالتزام بعدم التدخل في الشئون الخارجية لأي من دول المجلس.

ويومها لجأت قطر للسلطنة؛ لتقوم بدور الوساطة وما تفعله السلطنة ليس فقط في المنطقة، وإنما في العالم كله الذي تجتاحه الصراعات، فقد امتنعت مثلا عن المشاركة في عملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، ورفضها استخدام القوة العسكرية ضد اليمن، وفِي حرب الخليج الأولي عام ١٩٨٠ لم تنضم أيضًا لدول الخليج؛ حينما وقفوا مع عراق صدام حسين ضد إيران، وحافظت على مساحة معقولة مع السياسات الخليجية.

وفِي الوقت نفسه حافظت على علاقاتها مع طهران، وهو ما جعل السلطنة هي الوسيط المقبول بين إيران ومجموعة الست بخصوص المشروع النووي الإيراني، والذي انتهى برفع العقوبات عن إيران؛ حيث ظلت المفاوضات تجري بين الإيرانيين والأمريكان سرًا عدة شهور في فيلات خصصها السلطان قابوس للوفدين، وهو ما أضفى مزيدًا من الاحترام والمصداقية لخيارات سلطنة عُمان، حتى وإن بدت مختلفة عن السياق العام للجيران، وما يسمى بالإجماع العربي.

ولا يمكن أن ننسى كمصريين موقف السلطنة وقابوس، عندما رفض الاشتراك فيما سمي أيامها جبهة الصمود والتصدي، ورفض قطع العلاقات مع مصر، بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل، ثم كان أن عارضت موقف معظم الدول العربية من نظام بشار الأسد في بداية الأزمة السورية.

ورفض وزير الخارجية العُماني طرد سوريا من الجامعة العربية، واعتبر أن هذا القرار يصب في مصلحة تنظيم "داعش"، و"جبهة النصرة" في سوريا، بل إن الوزير نفسه قام بزيارة سوريا عام ٢٠١٥ مخالفًا قرار المقاطعة العربية.

والغريب أن قناة الجزيرة شنت عليه أيامها حملة انتقادات عكس ما تقوله اليوم على حملة المقاطعة ضدها، وكان الموقف العُماني مع سوريا قبل تحول الموقف في الأزمة مع مرور الوقت؛ ليربط الجميع بين نظام بشار والاستقرار في سوريا؛ مما يدلل على بعد الرؤية العُمانية التي تنطلق من مبادئ حقيقية للحياد الإيجابي، غير المرتبط بالمصالح الخاصة.

ولم يعرف عن سلطنة عُمان تمويلها أي جبهة فيما سمي بالربيع العربي، عكس الآخرين المتورطين في تدمير وتخريب الدول العربية، بل إن السلطنة كشفت عام ٢٠١١ عن أكبر شبكة تجسس تابعة لدولة جارة دون أن تضخم الأمور، وتصنع منها أزمة كبرى، وقد نجحت السلطنة في تحييد الخصوم، وإجبارهم على احترام خياراتها، بل وتحويل تلك الخصومات لقيمة مضافة في رصيد سياستها الخارجية.

ونجحت عُمان أيضًا في الأزمة الجيوسياسية الطائفية المتفجرة في المنطقة ببراعة، وقد أثبتت أن عدم الانحياز لايعني الحياد السلبي؛ ولكنه يعني عدم الارتماء في أحضان أي فريق أيًا كانت مبرراته، أو باختصار هو الاستقلال الحقيقي للسيادة الوطنية.

وربما كانت السلطنة هي النموذج العربي الذي يمكن القياس عليه للتعايش السلمي للتعدد المذهبي بين السنة والشيعة، وبرغم عدم ثراء السلطنة كجيرانها، فقد صنعت رؤيتها السياسية المعتدلة الناضجة كقيمة مضافة لها، أكبر من ثروات جيرانها؛ لتصبح بحق نموذجًا للدولة المستقلة ذات السيادة التي تصادق الجميع مهما كانت خلافاتهم، ولهذا لم تلجأ يومًا لطلب الحماية أو المساعدة، ولم تستضف أي قواعد عسكرية، أو تدفع المليارات في شراء أسلحة كالآخرين، بل العكس هو الصحيح يلجأ إليها الجميع.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في