وإن شئت فقل قانون "مالوش لازمة" فقضية قانون اﻹيجار القديم أقصد "العقيم" والأعور جعلت له أذرعًا طويلة وممتدة ﻷثرياء المستفيدين؛ فيستخدمون المال للدعاية والإعلام للإبقاء عليه بأي شكل أو أي صورة، مهما تكن أضراره الجسيمة، فتارة يروجون عنه أنه شائك وممنوع الاقتراب منه أو التصوير، وكأنه من المحرمات، وتارة يروجون للأسطوانة المشروخة "فقراء المستأجرين"، والحقيقة أنه آلة مدمرة ليس لفقراء المستاجرين، وإنما لكل اقتصاد الدولة؛ فهو أشبه بالزواج المحرم؛ ولذلك لن يعيينا من انتقاد الأمور المشينة في حياتنا والقبيح منها.
قانون اﻹيجار العقيم لم ينتج إلا الخراب، فقد طالت سلبياته ومساوئه كل الصناعات المرتبطة بالعمران، وامتدت لكل نواحي الحياة، وبسببه هلكت أرواح بشرية، وانهارت آلاف العقارات، ولم يقف عند هذه الحدود، فقد اكتظت المحاكم بمئات آلاف القضايا والنزاعات من تحت رأس قانون أعور عقيم، وبسببه المسلم يرث المسيحي، والمسيحي يرث المسلم، ولا يزال النزاع مستمرًا بين الحق والباطل، فقد شرد آلاف الأسر ليستقر بهم في العراء وأسفل الخيام ﻹيوائهم.
وفي العرف والدين هو قانون محرم شرعًا عرضًا وطولًا، ويجب أن يكون مجرمًا وخلف القضبان، وبسببه يقف الباطل منتصرًا بلا منازع، برغم علم الجميع يقينًا أنه باطل، وأن الحق أبلج والباطل لجلج.
فقد طالت أيديه بالمطاف إلى ركود أكثر من ثلاثين صناعة مرتبطة بالعمران وبطالة مئات آلاف الأيدي العاملة في البناء والتشييد، وتسبب في حرمان الدولة من إيرادات تخطت مئات المليارات سنويا، كان يمكن صبها في مشروعات للدولة والمواطنين.
وللمهندس مجدي بدير حجازي رأي أن تقرير الجهاز القومي للتفتيش علي البناء أكد وجود أكثر من 300 ألف عقار تحتاج لترميم وتنكيس، منها 100 ألف عقار يجب إزالتها لخطورتها الداهمة، وفي شهر واحد انهيار 62 عقارًا، وكل البيانات تستدعي اجتماع مجلس النواب، واتخاذ قرار لحماية الدولة من مسلسل انهيار العقارات وإنقاذ الأرواح.
وبرغم وصول عدد الشقق الخالية إلى 13 مليون شقة، وهو رقم مفزع بسبب خوف أصحابها من تأجيرها، وهل يعقل أن المستفيدين من اﻹيجار القديم - إذا كان يبلغ عددهم 8 ملايين - تنهار العقارات بسببهم؛ لعدم إلغاء قانون اﻹيجار القديم، وحسب تقارير الجهاز المركزي للتعبئة واﻹحصاء فإن عدد الشقق المغلقة لسفر ذويها 935 ألف شقة، أغلبها يخضع لقانون اﻹيجار القديم، ووجود 4 ملايين و157 ألف شقة مغلقة؛ لوجود مسكن آخر للأسرة، وبالطبع كلها إيجار قديم، كما ذكر التقرير الرسمي للدولة وجود 4 ملايين و861 ألف شقة مغلقة، بعد أن فقد ملاكها الثقة في قوانين اﻹيجار، ويمكن طرحها فورًا للإيجار بإخضاع العلاقة اﻹيجارية إلى إجراءات قضائية مبسطة، وسرعة تنفيذ الأحكام.
كما ذكر التقرير وجود 4 ملايين و263 ألف شقة شقة تحت التشطيب يمكن طرحها إذا منح الملاك تسهيلات بنكية ﻹعانتهم على التشطيب، وبذلك يمكن من خلال تشريعات بسيطة طرح 13 مليون شقة للإيجار؛ مما يخفض القيم اﻹيجارية، ويخلق سوقًا منافسة لتأجير الشقق؛ بما يصب في مصلحة المواطن، وإذا تم إخلاء العقارات الخطرة - وعددها 300 ألف - يمكن بناء عقارات مكانها تستوعب أكثر من 6 ملايين شقة؛ باعتبار أن العقار الواحد به 20 شقة.
وبرغم التقارير الرسمية للدولة عن مصائب قانون اﻹيجار القديم، وبرغم الظروف ااقتصادية العصيبة، نرى أذرعًا طويلة تدافع بشراسة عن بقائه، ولكن الأوان غير الأوان، فلم يعد له مكان بيننا، وليس غريبًا أن من يدافع عنه لمجرد أنه مستفيد، ويسدد بضعة جنيهات لا تغني ولا تسمن من جوع عن إيجار شقة على النيل، ودخله الشهري عشرات الآلاف من الجنيهات فهو يتبع قاعدة البحر يحب الزيادة، ولا مانع من تضخم ثروته وزيادة ثرائه في البنوك والأملاك، فيسكن في منطقة راقية بملاليم.
والسؤال أن هذا القانون قنن لفئات محدودي الدخل، وليس الأثرياء وهم المدافعون عنه، فتجد جهاز تكييف في كل غرفة، وسيارات حديثة، وأبناءهم في مدارس وجامعات أجنبية، ومعدلات إنفاقهم تفوق قدرات الجميع، ولا يؤثر فيهم ارتفاع الأسعار، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار كل السلع بنسب كبيرة وأضعافًا مضاعفة، بداية من رغيف العيش، وسارت البيضة بجنيه ونصف، وعلبة الفول الصغيرة بـ 5 جنيهات، وكيلو اللحمة بـ 120 جنيهًا، بينما الخدمات فحدث وﻻ حرج: الكهرباء والغاز والبنزين وكل السلع الشعبية، فتجدهم يشتكون من غلاء الأسعار، ولا ينطقون كلمة حق أو صدق عن قانون أعور، ألا يُعد هذا تناقضًا وشيزوفرينيا.
الغريب أنهم يعزفون إسطوانة مشروخة وموحدة؛ وهي طرد المستأجر الفقير والمعدوم، وكأنهم أعضاء في الفرقة، والرد عليهم أن صندوق دعم فقراء المستأجرين من إيرادات وعائدات من ضرائب عن العقارات المحررة بعد إلغاء هذا القانون سوف يتولى هذه المهمة؛ وهي نسبة بسيطة ومحدودة منه، لا تتخطى 5% من هذه العائدات.
وبرغم كل هذه الظروف لا نجد من المسئولين من يقول كلمة حق في قانون جائر المفروض أن تتخلص الدولة منه، كما تتخلص من النفايات السامة والخطرة على الحياة.