ربما يراه البعض فكرة مجنونة، أو يعتبره آخرون مشروعًا ثوريًا بامتياز.. إنه باختصار المشروع الذي طرحه مهندس فرنسي على دولة الإمارات بنقل جبل جليدي عملاق من القطب الجنوبي من مسافة 9200 كيلومتر عبر المحيط الهندي إلى سواحل إمارة الفجيرة.
وبرغم أنه لا يزال في طور طلب الموافقة عليه، إلا أن مراجعة تعليقات القراء العرب الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي لهذا المشروع كفيلة بإجهاض أي فكرة قد تفيد أي مجتمع في مهدها، حتى وإن كانت غير قابلة للتنفيذ، لكن هناك من يراها ستعيد أرض العرب مروجًا وحدائق، في خلال 10 سنوات، وهو ما كانت عليه قبل ملايين السنين.
الفكرة باختصار تتلخص فى جر جبل جليدى طوله أكثر من 3 كيلومترات، وسمكه الغارق تحت الماء 300 متر بسفن متخصصة في الربع الأول من 2019 إلى سواحل أستراليا، ومنها إلى الفجيرة، وبرغم أنه قد يذوب ثلثه، إلا أن الباقي يمد البلاد بكنز كبير يقدر بأكثر من 20 مليار لتر من الماء العذب، تلبي حاجة أكثر من مليون مواطن طوال 5 سنوات على الأقل، ويوفر دولارات بالملايين ينفقونها على شراء مياه معدنية مستوردة.
فكرة المشروع تحمس لها مهندس إماراتى ويرى أن وجود الجبال الجليدية على سواحل الفجيرة سيشكل عامل جذب سياحي كبير، وأن ذلك من شانه أن يعيد الغنى الطبيعي إلى الإمارات عبر مجموعة مشاريع طموحة هدفها تغيير المناخ بشكل جذري.
المهم أن هذه الفكرة ليست وليدة اليوم، بل كانت حلمًا راود الإنسان منذ 192 سنة، وتحديدًا عام 1825 حين فكر البعض بسحب كتل وجبال ثلجية إلى مناطق بخط الاستواء لترطيب جو الأرض بأكملها.
لكن أكبر مشروع "جليدي" كان يدعى Habakkuk نسبة لأحد أنبياء بنى إسرائيل، وفكر فيه تشرشل رئيس الوزراء البريطاني، بصنع حاملة طائرات من جبل جليدي فى القطب الشمالي، بدلا من المعدن، لكن معوقات تقنية وتوابع الحرب العالمية الثانية حالت دون ذلك، والمهندس الفرنسى جورج موجان الذى عاود طرح المشروع على الإمارات اليوم، كان قد طرحه على السعودية فى السبعينيات، لنقل جبل جليدي من القطب الشمالي أو من النرويج، لإذابته عند سواحل المملكة والإفادة من مائه العذب للشرب، لكنه فشل لأسباب فنية.
برغم أن صعوبات تقنية حالت دون تنفيذ الفكرة فى الماضى، قد تساعد التكنولوجيا الحديثة على تحقيقها اليوم، فإذا نجحت الإمارات في جر جبل الجليد إليها، فقد نشهد العشرات مثله في الخليج مستقبلا، وربما تعاود السعودية الكرة وتستعيد مشروعها، وحينها من المؤكد أن تغييرًا فى حالة الجو فى المنطقة سوف يطرأ، وربما يكون لنا نصيب منه فى مصر، فالموجات شديدة الحرارة التي تلهب رؤوسنا صيفا تأتينا من صحراء الهند والجزيرة العربية، ووجود جبال الجليد فى المنطقة ربما يخفف عن رؤوسنا وطأة الموجات الحارة.
فما إن يهل علينا شهر مايو حتى تداهمنا موجات حارة متتالية تنقلنا فورا إلى سلخانة الصيف، برغم أننا مازلنا في فصل الربيع، حتى صار طقسنا خليجيًا بامتياز، لكن هناك فرقًا شاسعًا بين من يفكر خارج الصندوق للبحث عن حل، ليس للتخفيف من وطأة حرارة جو بلاده فقط، بل لتحويل مساحات شاسعة من أراضيها إلى مروج وحدائق، وبين من هم حتى داخل الصندوق ولم يفكروا كيف نغرس في الناس ثقافة زرع الأشجار، ليس بغرض التجميل فقط، بل ليمتد ظلها للجميع لحمايتهم من حر الصيف بدلا من قصها وتقليم فروعها، وحبذا لو كانت هذه الأشجار مثمرة.. وأتذكر هنا استغراب خبير بيئي مغترب قبل سنوات من لجوء مصر إلى قص الأشجار بهذه الطريقة في أجواء شديدة الحرارة..
ولنا فى تجربة البرازيل خير مثال، فقد احتفلوا قريبًا بمرور أكثر من 60 عامًا على بدء مشروع زرع أول شجرة مانجو في الشوارع تحت شعار "المانجو للجميع" وتبنى إطلاق الفكرة الرئيس البرازيلى سنة 1956، حينما رأى فقر شعبه وعدم قدرته على شراء الفاكهة، واليوم هناك أكتر من 750 ألف شجرة مانجو في الشوارع، والمانجو متاح للجميع بالمجان!
فما الذي يمنعنا في مصر، ولدينا طاقات هائلة من الشباب يمكن استغلالها طوال العام لغرس أشجار سواء مثمرة، أو غير مثمرة، بدلا من أن نعتمد فقط على رؤية المحافظين التي تشجع فقط على تشجير الجزر الوسطى في الشوارع الرئيسية بأشجار الفيكس؛ لأنها تنمو بسرعة وتعطي الإيحاء الكاذب بانتشار الخضرة والتشجير، كما أنها الهدية المفضلة من وزارة البيئة، وتمنحها مجانًا للجهات والهيئات والجامعات ولمن يطلب!
ازرعوا أشجار مانجو أو حتى أشجار نخيل البلح، بدلا من نخيل الزينة الذى لايُسمن ولايغنى من ظل، وتستطيع إحصاء ما يقرب من 3 آلاف شجرة منه فى شارع الهرم وحده، وازرعوا حتى ولو أشجار توت لتوفير فاكهة بالمجان لعامة الناس، وغير القادرين خاصة الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولم يعودوا قادرين على شراء كيلو فاكهة لأولادهم، بعدما التهبت أسعارها، وتجاوزت بكثير قدرة الكثيرين، حتى كيلو التوت صار سعره 16 جنيهًا فى بلد كنا نفتخر دائمًا بأنه بلد زراعي!!!