في خطة إنشاء أي مستشفى جديد على أرض المحروسة.. لن تعتمد الجهات المسئولة الرسم الهندسي إلا إذا تضمن «ديسكو» يليق بالمستشفى.. ويليق بمزاج الأطباء والممرضين والمرضى.. والمستشفيات القائمة حاليًا بات لزامًا عليها أن تبادر بتجهيز مكان يصلح للديسكو.. لأنه من غير المعقول أو المقبول أن تستمر منشأة طبية في مصر بدون ديسكو.. لأن هذا يتنافى مع قواعد الطب في مصر.. والتي لا علاقة لها بأصول الطب في أي مكان.. حتى في بلاد «واق الواق».
منذ أسابيع.. وفي مستشفى الساحل التعليمي.. وبالقرب من غرفة العمليات فوجئ المرضى بصوت أحمد شيبة «آه لو لعبت يا زهر».. وحفل صاخب لا يختلف كثيرًا عن أي ديسكو.. ولكنه ديسكو صباحي وقت سطوع الشمس.. لأننا نخالف العالم في كل شيء.. حتى في أوقات الديسكو.
صحيح أن المشاركين في الحفل قالوا إنهم كانوا يحتفلون في عيد الأم بزميلة تعمل ضمن طاقم التمريض وخرجت إلى المعاش وخدمت في هذا المكان 35 عامًا.. وصحيح أن من الواجب تكريمها.. ولكن يجب ألا يتم التكريم بهذه الطريقة.. وفي هذا المكان.. وصحيح ــــ وهذا هو الأهم ــــ أن هذه الفئة.. ونقصد كل العاملين بالتمريض يحتاجون إلى نظرة من الدولة لتحسين أوضاعهم.. ولكن ما حدث يستوجب التوقف أمامه.. ذلك أن الحفل قد تم وذهب كل إلى حال سبيله.. لولا أن الفيديو الذي تضمن مقاطع من الحفل ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي ما كنا قد علمنا بهذه القصة الغريبة.
مشروع الديسكو في كل مستشفى له فوائد متعددة ومتجددة.. فهو تسلية للمرضى الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.. سوء الخدمة في بعض المستشفيات.. وتلوث في بعضها.. ونقص في الأدوية.. وقبل هذا فإن أغلب المترددين على المستشفيات من بسطاء الناس.. الذين يعانون من قلة الدخل.
الديسكو.. تسلية أيضًا للأطباء الذين يتفرغون حتى ساعات من الصباح في عيادتهم الخاصة.. ثم يذهبون للمستشفيات «تأدية واجب» لمدة.. ثم يعاودون العمل الخاص.
الديسكو.. سيخفف من عناء الممرضين الذين يعملون في ظروف قاسية.. وهم ضحايا لنظام تعليم لا يليق بدولة لها تاريخ وحضارة ومكانة.. والأحوال المادية لهيئات التمريض بحاجة إلى تعديل يضمن لهم الحد الأدنى الذي يوفر لهم حياة كريمة تليق برسالتهم.. وصحيح أن إمكانات الدولة قد لا تسمح بالاستجابة لكل المطالب وتطلعات هيئات التمريض.. وصحيح أن الدور الاجتماعي لرجال الأعمال في مصر يحتاج إلى إعادة نظر منهم.. بما يتناسب مع أحوال البلاد ومشكلاتها.. وصحيح أن الإعلام نسي وتناسى في آن واحد أن يذكر رجال الأعمال بدورهم الاجتماعي.. وضرورة التجاوب الواضح والسريع مع كل المبادرات التي تهدف إلى تحسين أحوال البسطاء خاصة في مجالي الصحة والتعليم.
مشروع الديسكو يحتاج إلى التطوير بحيث يسمح بدخول الجمهور إلى الحفل الراقص.. وجمع «النقوط» على أنغام الموسيقى.. على أن توجه هذه الأموال لدعم المرضى وهيئات التمريض.. ولم لا بعد أن قست قلوب أغلب القادرين فأصبحت كالحجارة أو أشد قسوة.. وبعد أن بدأ بعض الكبار من علية القوم يتحايلون للعلاج على نفقة الدولة.. برغم أن هناك طابورًا طويلًا من ملايين البسطاء هم الأولى بالرعاية من الدولة.
مشروع الديسكو فرصة للترويح عن المرضي.. واكتشاف موهبهم في الغناء.. ومن يدري فقد نكتشف بينهم من يجيد الرقص على أنغام الموسيقى.. ولسان حاله يردد مع الشاعر:«لاتحسبوا رقصي بينكم طربًا.. فالطير يرقص مذبوحًا من الألم».
نعم الذين أقاموا الحفل في مستشفى الساحل أخطأوا في حق المرضى.. وأخطأوا في حق المجتمع.. وأخطأوا في حق رسالة الطب السامية.. ولكن المجتمع سبقهم في الخطأ.. عندما أهمل برامج التعليم التي تليق بالطب والتمريض.. الأمر الذي جعل ثقافة من يعملون بمهنة الطب لا تقدر حق المريض في الرعاية والهدوء التام.
والأهم لا تلوموا من رقصوا على أنغام «آه لو لعبت يا زهر».. لأن المريض الذي استمع لهذه الأغنية وهو يصرخ من ألم المرض.. كان يردد مع نفسه: «آه لو لعبت يا زهر.. وخرجت على رجلي سليمًا من هذا المستشفى الظالم أهله».
عقاب الذين أقاموا الحفل بالمستشفى ليس هو الحل وإن كان ولابد «كما يقولون».. فيجب أن يسبقه اعتراف المجتمع بخطاياه.
[email protected]