Close ad

صناعة البديل

13-4-2017 | 22:58

استمر أنور السادات ١٨ عامًا في كواليس الحكم، وقبل ذلك عشر سنوات في العمل السري فأصبح داهية سياسية، وعمل حسني مبارك ٦ سنوات نائبًا للسادات وفِي الوزارة والحزب الوطني مع الكبار.

عاش دهاليز الحكم وسراديب الدولة؛ فأصبح رجل دولة شاء البعض أو رفض، وعرف السيسي تفاصيل الدولة المصرية عندما كان على رأس جهاز المخابرات الحربية، ثم عاش تفاصيل عملية إعادة حرث التربة المصرية من خلال عضويته في المجلس العسكري الحاكم خلال وقائع يناير؛ مما منحه رصيدًا ضخمًا في فهم الحكم والدولة والنخبة والشارع؛ لأنه امتلك المعلومات وأهم منها المعرفة.

أقول ذلك قبل أقل من سنة على إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل دستور جديد، بدون أن تظهر أي أسماء يمكن أن تنافس بجدية على المنصب لدرجة أن سيناريو انتخابات ٢٠١٤ التي اكتسح فيها السيسي حمدين بدت أقرب للاستفتاء منها للانتخابات، وعندما تسأل يقولون ليس هناك بديل، والأمر ليس في قمة الدولة، ولكن في كل مستويات الإدارة والأمر، هكذا أخشى أن نكون مثل الشباب الذي لم يجد فرصة للعمل فركب البحر، وهو يدرك منذ البداية أن فرصة سلامته، ربما تكون أقل من فرص رحيله، وعندما تسأل الذين يجازفون بالمحاولة مرات أخرى وهم يشيعون أقرانهم من الغرقى يقولون لم يكن هناك بديل عن المغامرة.

ربما يكون ذلك مبررًا للبعض، ولكن مستقبل الدول لا يتم إلا بالمغامرة المحسوبة بدقة أو بإيجاد البديل، بل بخلق عدة بدائل، والواضح أننا للأسف لا نمتلك صناعة البديل؛ بدليل حكاوي التغيير الوزاري الأخير الذي ظل يصارع الخروج لمدة شهر، فكان باهتًا ليس به ما يلفت النظر سوى أنهم جاءوا يكحلونها فأصابوها بالعمى - كما يقول المثل الدارج - لأنه في غياب ثقافة تداول السلطة وتوازناتها لا يعد للأحزاب أو حتى البرلمان أي قيمة سوى وجودهما كديكور لتكتمل ملامح شبه الدولة، وبصراحة لا يعرف أحد لماذا رحل اللواء المصيلحي عن وزارة التموين، وجاء الدكتور المصيلحي إليها، خاصة أن الرجل ظهر بعد رحيل سلفه علي خلفية الإقامة في فندق خمسة نجوم، والكلام نفسه يقال عن وزير النقل.

والمفاجأة كانت في بقاء وزير الصحة برغم ما تلوكه الألسنة منذ أول يوم وطأ فيه الوزارة وبحكم المهنة عرفت تقريبًا معظم الوزراء قبل وبعد الوزارة منذ وزارة الدكتور فؤاد محيي الدين في أوائل الثمانينيات وباستثناءات قليلة لم يعرف أحد منهم لماذا تم اختياره؟ ولماذا استبعد؟ لأنهم لم يأتوا بإرادة شعبية ولا ممثلين.

الحزب أو كتلة برلمانية، ولكن بإرادة فرد وعدة مؤسسات أمنية، وبالتالي أصبح الوزراء مجرد سكرتارية للرئيس، كما قالها ذات يوم الدكتور يوسف والي في عهد مبارك، ولا بأس في ذلك؛ فالوزراء في أمريكا يسمون سكرتارية، ولكن ذلك وفق نظام رئاسي، وكان الظن أنه بعد الدستور الجديد، وبعد حدثين زلزلا الدولة المصرية في يناير ويونيو، ألا قدسية لأحد؛ سواء كان فردا أو مؤسسة غير أن الأجراس في بلادنا لا تجد من يسمعها، والماضي لا أحد يتعلم من دروسه باستمرارية سياسات إطفاء جميع الأنوار؛ لكي يظل النجم الأوحد ساطعًا، والأمر ليس حصريًا على مؤسسات القمة، بل إنه تم تجريف معظم المؤسسات واختفت قيادات الصف الثاني.

واللافت للنظر أن الدستور ألغى منصب نائب الرئيس؛ لكي يصبح التجريف شأنًا دستوريًا علمًا بأننا نملك نحو ٢٠ مركزًا لإعداد القادة غير أن الكلام عن البديل أصبح أمرًا مذمومًا ويعرض صاحبة للشبهة؛ مما أدي للموت السياسي في أمة تفجرت بالرفض مرتين خلال عامين، وأجبرت رئيسين على التنحي، وكان فائض الحيوية مبشرًا بتجديد الخلايا والدفع بكوادر وقيادات ووجوه جديدة تعبر عن هذا الجيل.

غير أن الواقع كان بائسًا فلا يزال العمل الطلابي محاصرًا في الجامعة، ولا تزال الأحزاب في غرف الإنعاش تعاني سكرات التجاهل، ولا يزال كل معارض إما خائنًا أو متآمرًا، وأصبحت صناعة البديل حكرًا على نفس المؤسسات؛ في عملية توريث حقيقية من صلب نفس الهيئات التي صنعت الأزمات التي مازلنا ندفع ثمنها يوميا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في

الأكثر قراءة