الضربة الترامبية المباغتة المفاجئة، والتي دمرت مطار إستراتيجي في حمص لنظام بشار الأسد، وضعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني، فى موقف معقد أشبه بالأزمة، وهو موقف يعرف السياسيون والدبلوماسيون المتمرسون مدى صعوبته، خاصة أنه موقف يجعل صانع القرار أمام خيارات محدودة، وربما أمام خيار واحد فقط، كما في الحالة التي نحن بصددها الآن.
فالضربة قلبت الطاولة في سوريا رأسًا على عقب، وأحدثت وقعًا أشبه بالصدمة لموسكو وطهران، والسبب في ذلك هو جرأة ترامب على توجيهها، دون أدنى اعتبار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة أن بشار الأسد حليف إستراتيجي له، ولروسيا قاعدة عسكرية في طرطوس.
وتلك القراءة تجعلنا نتفهم رد الفعل الروسي اللفظي العنيف على الضربة العسكرية الأمريكية لمطار الشعيرات، والذى جاء عقب اجتماع مجلس الأمن القومي الروسي برئاسة بوتين، حيث وصل رد الفعل الروسى اللفظي إلى حد وصف الضربة الأمريكية بأنها عمل إرهابى.
وما يجعل الموقف الروسى صعبا من وجهة نظرى، هو أن الأسد وجيشه ليس لديهما القدرة على الرد العسكرى المباشر على أمريكا، وهو ما اتضح من البيان العسكرى السورى عقب الضربة، والذى أكد على أن الضربة العدوانية ستزيد من تصميم الجيش السورى على ضرب الجماعات الإرهابية الموالية للولايات المتحدة داخل الأراضى السورية، على الرغم من أن الولايات المتحدة لها قوات وجنود أمريكيين داخل سوري!
وبعيدا عن التحليلات الكثيرة للضربة ورسائلها وأهدافها السياسية، فإننى أرى أن روسيا هى المقصودة منها فى المقام الأول، ومفاد الرسالة هنا، أن واشنطن لن تسمح لموسكو بالانفراد بالقضية وتسويتها على هواها فى الأستانا، مدفوعة فى ذلك بنصر حققته على المعارضة السورية المسلحة، فى توقيت كانت أمريكا فيه مشغولة بالانتخابات الرئاسية، وكان يحكمها رئيس ضعيف من وجهة نظر ترامب، وهو "باراك أوباما"، وهذا يومىء بأن أحد أسباب الضربة، هو شعور البيت الأبيض والبنتاجون بالمرارة من استغلال بوتين لانشغال أمريكا بالانتخابات الرئاسية لتغيير معادلة القوى فى سوريا، بشكل كامل لصالح الأسد ونظامه.
أضف إلى كل ما سبق، أن مدلول الضربة بالنسبة لإيران، يعقد أيضا من الموقف الروسى، فالضربة الأمريكية جاءت بعد تصريحات ترامبية قاسية ضد النظام الإيرانى وحزب الله اللبنانى الحليف لطهران، و وصفتها بأنهما رعاة للإرهاب، بل الإرهاب نفسه، وهذا يعنى أن الضربة قد تكون بداية لخطة عسكرية هدفها إخراج إيران من سوريا والعراق واليمن، وهذا ما يستوجب على موسكو الوقوف إلى جانب طهران باعتبارها حليف استراتيجى لها، فى توقيت يدرك فيه بوتين جيدا، أن القوى المؤثرة فى العالم تميل لترامب وتؤيده فى مواقفه اللفظية والسلوكية ضد بشار الأسد وحليفه الإيرانى
أيضا الضربة الترامبية للجيش السورى، بالتأكيد وضعت الرئيس السيسى فى موقف صعب، فرؤية الرئيس السيسى القائمة على النقاط الست لتسوية الأزمة السورية تتعارض مع رؤية ترامب، وخاصة فيما يتعلق بمستقبل الأسد، فالسيسى يرى أن استبعاد بشار الأسد سيجلب سيناريو فى سوريا أشبه بالمشهد الليبى الذى نشهده الآن، فى حين تشير خطوة ترامب الأخيرة إلى أن إبعاده عن المشهد أصبح ضرورة حتمية بالمنطق الأمريكى.
وما يصعب من موقف مصر أيضا، هو أن الضربة العسكرية الأمريكية جاءت متزامنة إلى حد ما مع زيارة الرئيس السيسى لأمريكا، وتعهده لترامب بوقوفه ووقوف مصر إلى جانبه فى الحرب ضد الإرهاب، دون وضع خطوط رفيعة بين رؤية "مصر – السيسى" للإرهاب وبين رؤية "أمريكا – ترامب" له، فضلا عن أن تأييد السعودية والإمارات للضربة وتشجيعهما لترامب على فعل المزيد، يصعب هو الآخر من موقف مصر، وذلك إذا ما أخذنا فى الاعتبار أن تصويت مصر المزدوج فى مجلس الأمن على عكس رغبة السعودية، كاد أن يعصف فى حينه بالعلاقات الاستراتيجية بين القاهرة والرياض.