Close ad

"لعبة" المصالح بين السيسي وترامب

2-4-2017 | 21:37

من يراجع ملف العلاقات المصرية – الأمريكية خلال العقود الماضية سيكتشف دون عناء في البحث أو مشقة في التحليل أن واشنطن نجحت في ربط العلاقة مع القاهرة بتحقيق مصالحها، ورهن أي اتفاقيات تعاون بخدمة أهدافها.

.. بدون حرج وبلا خجل هي علاقة "تبعية لا ندية".. وقد تجلت هذه العلاقة المنقوصة في أبهى صورها خلال عهد مبارك الذي رأى في أمريكا شريكًا وسندًا له.. ورأت فيه واشنطن أيضًا قائدًا مخلصًا وداعمًا لسياستها بالمنطقة فقد وصفته هيلارى كلينتون المرشحة الرئاسية في كتابها "خيارات صعبة" بقولها: "لقد كان مبارك حليفًا إستراتيجيا لواشنطن لعقود"

ومن السياسة للاقتصاد سارت مصر طوال هذه العقود في علاقتها دولة مستهلكة للقمح الأمريكي، وسوقًا مربحة للزراع والصناع الأمريكيين، وحين فكرت أمريكا في مساعدة مصر على تسويق منتجاتها في السوق الأمريكية فرضت على حكومة مبارك شرطًا فريدًا – بل غير مسبوق - في العلاقات التجارية، وهو ما عرف باتفاق "الكويز" وبموجب هذا الاتفاق تلتزم مصر في المنتجات التي تقوم بتصديرها للسوق الأمريكية بأن يدخل في مكوناتها ما لا يقل عن 17% من الخامات المستوردة من إسرائيل؛ بمعنى أن على المنتجين المصريين الراغبين في تصدير منتجاتهم لأمريكا القيام باستيراد مواد خام من إسرائيل بما يعادل هذه النسبة!!

هكذا كانت تتعامل أمريكا مع مصر.. علاقة بعقود إذعان لمصلحة إسرائيل!! وهو ما يفسر سر تمسك أمريكا بمبارك حتى اللحظة الأخيرة.
....
وبعد ثورة يناير التي أطاحت بالحليف الإستراتيجي فإن واشنطن لم تيأس ووجدت في الإخوان البديل الذي يمكن الاعتماد عليه، وبالفعل عززت علاقتها مع الجماعة بعد توليها السلطة، ودخلت معها في صفقات سياسية كادت تمس السيادة الوطنية حتى قامت ثورة 30 يونيو التي أنهت "التبعية" في العلاقات المصرية – الأمريكية، وهو ما دفع إدارة باراك أوباما إلى تبني نهج عدواني ضد مصر، استخدمت فيه كل وسائل الضغط التي وصلت إلى قطع المساعدات العسكرية، لكنها فشلت فى إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه.

هكذا تتحول أمريكا حين تحاول أن تستقل بقرارك، أو تتحرر من تبعيتك، وقد حدث في عهد الرئيس جمال عبدالناصر أن رفض الانصياع للسياسات الأمريكية، وهو ما أدى إلى تصاعد حدة التوتر بين القاهرة وواشنطن إلى حد دفع عبدالناصر إلى قطع العلاقات مع أمريكا عام 67، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن وثيقة إنجليزية كشفت أن أمريكا في هذا العام فكرت أيضًا في ضرب القاهرة بالسلاح النووي بزعم تورط القاهرة في ضرب السفينة الأمريكية "ليبرتي" إلا أنها تراجعت في اللحظة الأخيرة.

ولعله يحسب لثورة 30 يونيو أن حررت هذه العلاقة وانتشلتها من مستنقع التبعية، ونقلتها إلى مسار "الاستقلال" عبر حزمة سياسات أتاحت لمصر تنويع مصادر احتياجاتها العسكرية والغذائية وغير ذلك. وصارت دولة صاحبة قرار.. ووطن يمتلك حق الاختيار.
.....
ولعل زيارة الرئيس السيسي للولايات المتحدة ومباحثاته مع أركان الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة دونالد ترامب هي بمثابة اختبار تعامل على أساس "المصالح" وتبادل المنافع.. وهي الرسالة التي دائمًا ما تؤكدها الدبلوماسية المصرية، وأظنها وصلت إلى واشنطن، وإن كان ذلك قد لا يمنع الإدارة الأمريكية من آن لآخر أن تمارس الثقافة الأمريكية في "التبعية"، إلا أنه في تقديري أن الإدارة الحالية للولايات المتحدة تدرك تمامًا أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأن الظروف تغيرت، والأحوال تبدلت، وما كان مقبولًا بالأمس، صار مرفوضًا اليوم.

وتخطئ إدارة ترامب إذا اختزلت علاقتها مع مصر في مكافحة الإرهاب فقط.. وإن كان هذا الملف من الملفات المهمة التي تسعى فيه مصر إلى تعاون مشترك، لكن يبقى ملف التعاون الاقتصادي أحد المحاور المهمة التي يجب أن يحظى بأولوية، إذ إن الولايات المتحدة لا تزال ترفض توقيع اتفاق إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين، يفتح الأسواق الأمريكية أمام المنتجات المصرية، كما أن استثماراتها في مصر ما زالت ضعيفة ولا ترقى إلى مستوى طموحات مصر.

..هكذا تكون العلاقة الطبيعية بين مصر وأمريكا.. حتى وإن سموها في العلوم الدبلوماسية بـ"لعبة المصالح".. 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة