الدعم هو الفرق بين السعر المحلي، والسعر العالمي للطاقة وغيرها من الخدمات، ووفقًا لاقتصادات السوق تسعى الحكومة بخطى متدرجة لرفع أسعار الطاقة والخدمات، ولكن في المقابل أين حق المواطن في الحصول على أجر أو معاش أو سعر أي محصول زراعي وفقًا للأسعار العالمية؟!
ومن هنا، فمن حق العامل أو الطبيب أو المعلم أو أصحاب المعاشات والفلاحين.. إلخ، أن يحصلوا على أجور تمثل متوسط الأجر العالمي لنظرائهم في الخارج.
ومن هنا نطالب مجلس النواب بمناسبة مناقشة الميزانية الجديدة أن يضع خطة متدرجة للوصول لذلك؛ لأن النظرة الأحادية لمشكلة الدعم ظلم للمواطن والوطن، ولها تداعيات خطيرة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التركيز على أربع شرائح أساسية تشمل الآتي:
الشريحة الأولي: موظفو الحكومة والقطاع العام فإن مرتباتهم بالسعر المحلي، وقد انخفضت أكثر من النصف بعد تعويم الجنيه، فهل المعلم أو المهندس أو المحاسب.. إلخ، يأخذ الأجر العالمي أو متوسط الدخل لما يتقاضاه هذا الموظف في الخارج، فهو بالتالي من حقه أن نرفع أجره تبعًا لاقتصادات السوق، وفقًا لمتوسط الأجر العالمي لمثيله في السوق العالمية، أو لما يأخذه إذا عمل بالخارج؛ ولذلك مطلوب رفع المرتبات للضعف على الأقل خلال ثلاث أو أربع سنوات؛ مما يعني 30% زيادة سنوية على الأقل، ويمكن تمويلها من خلال خفض مكافآت كل العاملين في الحكومة بنسبة 70%؛ لأن مكافآت الجهاز الحكومي التي يحصل عليها 1% من العاملين تمثل نحو35% من ميزانية الرواتب والمكافآت، وعدم رفع هذه المرتبات يعني تآكل الطبقة الوسطى، وهي الطبقة التي تتحمل الجزء الأكبر من تنمية ونهضة المجتمع بما تضمه من معلمين ومهندسين وأطباء ومحاسبين.. إلخ، والأهم أنها الحزب الأكبر في المجتمع، ومفروض أن يكون حزب الدولة الرئيسي المدعم لها، وهو يتعرض الآن للوصول إلى حافة الفقراء، وهذا له انعكاسات اجتماعية وسياسية خطيرة في المستقبل القريب، ويجب عدم الاستهانة بها؛ لأنها ستؤدي ببساطة إلى انهيار الدولة بكافة خدماتها من تعليم وصحة وشرطة وخلافه.
الشريحة الثانية: الفلاح مفروض أن نشتري المحاصيل منه بالسعر العالمي؛ فمثلًا سعر أردب القمح العام الماضي كان بنحو 400 جنيه، هذا العام بعد انخفاض قيمة الجنيه لأقل من النصف مفروض أن تشتريه الحكومة بالضعف، ولكنها عرضت 555 جنيهًا، وهو سعر أقل بكثير من أردب القمح الروسي الذي به فطر الإرجوت، وكل المستورد - بوجه عام - أقل جودة من المصري، وهذا سوف يؤدي لإحجام الفلاح المصري عن زرع القمح؛ مما يعني أننا ندعم الفلاح الروسي وغيره ممن نستورد، فمطلوب عاجلًا من مجلس النواب رفع سعر شراء القمح، وكافة المحاصيل للسعر العالمي؛ لدعم الفلاح المصري، ونحقق العدالة؛ والإ انهارت الزراعة أكثر وأكثر، وزاد الاستيراد أكثر وأكثر.
الشريحة الثالثة: أصحاب المعاشات، والسؤال هل المعاشات عالمية أو حتى محلية، هذه الفئة تحديدًا أكثر الفئات تعرضًا للظلم، وأكثر الفئات احتياجًا لاهتمام مجلس النواب؛ لأنهم في هذه السن معظمهم يعاني من الأمراض، وقد يكون يعول أبناء خريجين بدون عمل، وبعضهم قد يتعرص للسؤال والمعاناة بعد طول خدمتهم للدولة، صحيح أن بطرس غالي وعصر مبارك هو السبب الأول في هذه المشكلة؛ ولكن ماذا فعلنا لتصحيح هذه الأوضاع ولو جزئيًا، من خلال رفع هذه المعاشات بنحو 30% أو 40% سنويًا بدلًا من استفزاز الشعب بظهور بطرس غالي في الإعلام؛ وهو يعظ ويخطط للمستقبل، وهو من أفسد الماضي، وحياة هذه الفئة الأولى بالرعاية، وبطرس أيضًا بالمناسبة هو من ألغى الضرائب التصاعدية التي كانت نحو 46% منذ حكم عبدالناصر.
الشريحة الأخيرة: أصحاب الضمان الاجتماعي من خارج الفئات السابقة، وهي فئة خاصة أولى برفع الدعم والرعاية، وأيضًا يجب رفع هذه الفئة بنحو 30 أو 40% على الأقل، وإلا تحولوا إلى إرهابيين أو خارجين على القانون؛ مما يفسد حياة المجتمع بوجه عام، ويجب ألا تتحجج الحكومة بالإصلاح أو ندرة الموارد؛ لأنه بالنسبة لسياسات الإصلاح يجب أن يتحملها جميع فيئات المجتمع، وليس الضعفاء فقط، وبالنسبة لندرة الموارد فيمكن تغطية هذه النفقات من خلال الأتي:
1- تطبيق الضرائب التصاعدية التي نص عليها الدستور، والتي وصلت في أمريكا في عهد روزفلت إلي 92%.
2 - تطبيق ضريبة البورصة والتي تطبق في جميع الدول الرأسمالية بحد 20%، والتي ألغتها الحكومة بعد التهديدات.
3 - ضم الصناديق الخاصة لميزانية الدولة؛ لوقف أي تجاوزات في هذا الشأن.
4 - تخفيض جميع المكافآت في الدولة بنسبة 70 أو60% على الأقل مع ترشيد الإنفاق الحكومي لكل القيادات، والنظر في إلغاء جميع السيارات، مع منح بدل مواصلات فقط؛ لأن معظم العربيات تستخدم لصاحب المنصب وأسرته.
5 - فرض مزيد من الضرائب على الاستهلاك الترفي، والإسكان الفاخر، والسيارات الفارهة.
6 - رفع سعر بنزين 95% للضعف؛ لأن سعره كما هو قبل تخفيض قيمة الجنيه الذي فقد أكثر من نصف قيمته.
7 - بالنسبة لأسعار الخدمات، وقف رفع أسعارها بالنسبة للاستهلاك المتوسط والمخفض، مع رفع أسعارها للخدمات التجارية والاستهلاك الترفي مثل الفلل والقصور؛ فمثلًا بالنسبة لشرائح الكهرباء نجد أعلى شريحة "الف كيلو وات شهريًا"، وهذه تعتبر استهلاك الطبقة المتوسطة، وأين أسعار الشرائح الأعلى التي تستهلك ألفين وثلاثة آلاف وأكثر شهريًا، فهذه هي التي يجب أن تدفع أكثر من القيمة الحقيقية للتكلفة؛ لتدعيم الفئات الأقل، وهذا مثال يمكن تعميمه لكل الخدمات مثل المياه والغاز والبنزين.. إلخ.
8 - ضبط الأسواق والأسعار، وهذا سبق تناوله في مقال سابق ركز على قوانين جديدة بتحديد هامش الربح، ودخول الدولة من خلال المجمعات الاستهلاكية وفروعها في الاحتياجات الأساسية للشعب.
9 - إلغاء الدعم عن القطاع التجاري والصناعي.
كاتب المقال:
أستاذ علم الاجتماع البيئي ـ جامعة عين شمس