Close ad

الصحافة.. الطفل اللقيط.. ينتظر الأب الجديد

25-3-2017 | 17:23

"الصحافة هي عبارة عن طفل لَقيط.. يسخرون منه لأنه لَقيط، وكل شويه يبحثون له عن نسب وأب، بينما لا يريدون أن يذكروا أمه الحقيقية وهي الحرية".. كلمات قوية لأستاذ كبير هو مصطفى أمين، تعكس أزمة الصحافة والسلطة عبر كل زمان وفِي كل عصر.

 

منذ أن أتى نابليون محتلا مصر، ومعه آلة الطبع كان معه الرقيب الذي يمنع فدخلت الطباعة في مصر مع الحملة الفرنسية (١٧٩٨-١٨٠١) ومع وصول أول مطبعة إلى القاهرة وصل الرقيب على المطبوعات في نفس الوقت ففي ١٤ يناير ١٧٩٩ عين نابليون المفتش"فنتور" رقيبًا على المطبعة.. وأمر نابليون ألا يُطبع شيء إلا بإذنه.. فإنها سلطة الاستعمار.

 

والقضية المحورية للصحافة هي طبيعة العلاقة بينها وبين السلطة وتظل علاقة صراعية تحاول فيها السلطة السيطرة بأدوات كثيرة وعلى رأسها أداة التشريع، وتخلق للصحافة سلطة فوقية أبوية لطفل لَقيط ومتمرد .

 

والسنوات السابقة عن ١٩٥٢ كانت للصحافة دور مهم وخطير فساهمت بقوة في ثورة يوليو.. فقضية الأسلحة الفاسدة أشهر الملفات التي أثارت ضجة من قام بتسريبها هو أنور السادات، وبعد الثورة يبدو أن الضباط الأحرار كان لهم رأي ثان في الصحافة؛ فبدلا من مزيد من الحرية اتخذ عبدالناصر قرارات التأميم الشهيرة بعد ٨ سنوات من يوليو؛ فأمم عبدالناصر العقل والكلمة، وأصبح الاتحاد الاشتراكي الذي يرأسه عبدالناصر هو المالك والحجة؛ حتى لا تظل قوى المال تسيطر .

 

ومنذ هذه اللحظة تحولت الصحافة إلى وظيفة، وتحول الصحفيون إلى موظفين، وأصبح رئيس الدولة هو من يعين رؤساء التحرير، وفرضت الدولة قيادات غير صحفية، وفِي الستينيات نقل ١٤٠ صحفيًا من مؤسساتهم الصحفية إلى مؤسسات غير صحفية، وكانت السابقة الأولى من نوعها، وفِي مارس ١٩٦٧ - وكما يروي حافظ محمود نقيب الصحفيين في ذلك الوقت - أصدرت مراكز القوى بالاتحاد الاشتراكي قرارًا بحل مجلس نقابة الصحفيين؛ لتجاهل فتحي الديب أمين الشئون العربية بالاتحاد الاشتراكي حضور مؤتمر للصحفيين العرب جدول أعماله البترول العربي.

 

ومع متغيرات السياسة، وفِي عهد الرئيس السادات عندما أطلق المنابر وألغيت الأحزاب، كان لابد من أب جديد يتولى المسئولية بشكل غير مباشر وبالنيابة عن السلطة، فكان المجلس الأعلى للصحافة وأطلق السادات عبارته الشهيرة "أن الصحافة سلطة رابعة"، ولكنه يبدو أنها جملة معنوية بلا دلالة، فالسلطة ومواصفاتها وأدواتها لا تنطبق على الصحافة، وشهدت الجماعة الصحفية جدلًا واسعًا حولها، وحول مدلولها، وحول الأب الوليد ودوره، وهل ستتمتع الصحافة بالحرية، أم هي محاولة جديدة لإحكام القبضة والسيطرة؟

 

ومع الممارسة الفعلية كان المجلس الأعلى للصحافة - والذي اعترض على تشكيله كبار الصحفيين - بمثابة الأداة الحكومية التي تُمارس من خلالها السلطة نفوذها وسطوتها على المؤسسات الصحفية التي أممتها.. وفِي حقيقة الامر المجلس كان "برافانا" يتوارى وراءه الرئيس في تعيين القيادات الصحفية التي يريدها

 

وشهد عصر السادات اعتقال عدد كبير من الصحفيين ومصادرة بعض الصحف.

 

وفي سنوات التسعينيات من القرن الماضي وفِي عهد مبارك تعرضت الصحافة لعدة أزمات أبرزها على الإطلاق هو القانون رقم ٩٣ لسنة ١٩٩٥، والذي تضمن تغليظ العقوبات في جرائم النشر، وفرض القيود على الصحف الخاصة والحزبية، ودعا مجلس نقابة الصحفيين لعمومية طارئة ونشر الصحفيون قائمة سوداء بأسماء النواب الذين تبنوا تمرير القانون، وأقام الصحفيون جنازة رمزية شيعوا فيها حرية الصحافة، واتحدت الجماعة الصحفية بجميع تياراتها وتوجهاتها، واعتصمت حتى تم إجهاض هذا المشروع.

 

عبر هذه السنوات الطويلة لم تكن نقابة الصحفيين الدرع الواقية للصحفيين من عواصف السياسة وتقلبات السلطة، فعلى الرغم من محاولات التصدي، إلا أن الكثير من الصحفيين أصابتهم يد التنكيل عبر حقب السياسة المتباينة، بل كانت هناك أصوات تنادي بتقزيم دور نقابة الصحفيين وجعلها ناديًا، وكان صاحب المفاجأة رئيس مجلس الشعب الدكتور صوفي أبو طالب، حينما قال في حوار مع جريدة الأهرام في عدد ٩ يوليو ١٩٧٩ إن المجلس الأعلى للصحافة سيأخذ من نقابة الصحفيين حق القيد وحق التأديب، وإن نقابة الصحفيين لن تزيد على كونها ناديًا اجتماعيًا للصحفيين، مثل نادي القضاة، كل دورها الخدمات والرحلات والأنشطة، الأمر الذي أغضب الجماعة الصحفية، واضطر صوفي أبوطالب مع هذا الغضب ان يتراجع .

 

وفِي تصوري أنه لا غنى عن الخدمات التي تقدمها النقابة.. ويجب ألا يتحول بدل الصحفيين إلى ذهب في يد المعز يلوح به ويراوغ، ولكن لابد أن يبقى للنقابة دورها في حماية حرية الصحافة، وأن نلعب دورًا حقيقيًا في حماية أبنائها من منع أرزاقهم، أو التنكيل بهم لمجرد أنهم يكتبون آراء مخالفة للسلطة.

 

واليوم ونحن على مشارف انتظار أب جديد للصحافة اخترعه دستور ما بعد ثورتين ظل لمدة ٣ سنوات مع إيقاف التنفيذ، والآن اقترب تطبيقه، ولا أتوقع مع الهيئة الوطنية للصحافة مستقبلًا أفضل للصحافة والصحفيين، فهي وريث للمجلس الأعلى للصحافة، ويبدو أن التحول في المسمى فقط؛ فبدلًا من المجلس أصبحت هيئة، وبدلًا من الأعلى أصبحت وطنية، وقبل أن أنسى فيوجد مجلس أعلى لكل من الهيئتين الوطنية للإعلام والصحافة معًا، وجميع الترشيحات لثلاث هيئات تصب لدى الرئيس، الذي في يده إصدار القرار.

 

إننا جمعينا نسبح في فلك السلطة، ونشبه المجرات، ولا وجود لأي مجرى تخرج عن هذا الفلك، ونسي النظام أننا لسنا مجرات، بل بشر نفكر ونبحث ونختلف ونتفق، وأن الصوت الواحد لن يصلح، فلم يكن الرئيس جمال عبدالناصر سعيد الحظ بإعلام الصوت الواحد الذي انتهى بِنَا إلى هزيمة ١٩٦٧.

 

إن الحرية الحقيقية هي السبيل الوحيد للنهوض، وإن كلمة "لا" ليست بالضرورة للدخول في عناد أو حب الظهور؛ ولكن "لا" للظلم من أجل أن يكون العدل، "لا" للكذب من أجل أن يكون الصدق، "لا" للشر من أجل أن يكون الخير، إننا نريد منظومة تنظم لا تتحكم، أننا لا نريد أن تكون السلطة هي رئيس التحرير.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
"الشباب والسلطة" ٦٠ عامًا بين "بيوت الطاعة والمارقين" (4-5)

٢٠٠٥ بداية سقوط مبارك.. ولكنه يعاند القدر..

"الشباب والسلطة" ٦٠ عامًا بين "بيوت الطاعة والمارقين"(٣-٥)

السادات من اللعب بالحركات الطلابية والجماعات الإسلامية .. للصدام والإغتيال

"الشباب والسلطة" ٦٠ عاما بين "بيوت الطاعة .. والمارقين" (٢-٥)

في الجزء الأول من قصة العلاقة بين النظام السياسي في مصر والشباب، استعرضنا التنظيمات السياسية التي اعتمد عليها الرئيس جمال عبدالناصر بعد إلغائه للأحزاب.

"الشباب والسلطة" ٦٠ عامًا بين "بيوت الطاعة والمارقين" (1من5)

العلاقة بين الشباب والسلطة في مصر علاقة شديدة التوتر والخلاف حاولت فيها السلطة عبر حقب مختلفة أن تروض وتصنع تنظيماتها السياسية، بل وتصنع نجومها أيضًا من

البحث عن ثورة

5 ثورات قامت في تاريخ مصر الحديث أو هكذا نطلق عليها ثورات، بدءًا من عرابي ومرورًا بثورتي 1919 و 1952 وأخيرًا 25 يناير و 30 يونيو، وبالنظر في نتائج كل ثورة