Close ad

"توم وجيري" في عالم المخدرات!

26-1-2017 | 20:18

قبل انطلاق الإذاعة الرسمية المصرية في 31 مايو عام 1934، مع جملة المذيع أحمد سالم الشهيرة "هنا القاهرة"، والتي تتردد حتى اليوم، كانت في مصر حتى قبل ذلك التاريخ بيومين إذاعات أهلية.

هذه الإذاعات لم يكن مداها يتجاوز الحي الذي تبث منه، وكان يقوم بتشغيلها هواة ، لذلك استخدموها كما يحلو لهم، فبعضهم استخدمها لبث رسائل الغرام، والبعض الآخر في الإعلان عن البضائع، وكانت تجيب طلبات مستمعيها في التو واللحظة، والطريف أن بعض تجار المخدرات آنذاك استغلوها كشفرة في الترويج لبضاعتهم لتوجيه "صبيانهم" بطلب إذاعة أغان معينة تتوافق مع الحالة الأمنية، فإذا كانت الحالة الأمنية تسمح بالانطلاق لترويج بضاعتهم طلبوا إذاعة أغنية "الجو رايق" ، وإن كانت غير ذلك طلبوا إذاعة أغنية "في الجو غيم"!

لا أعرف لماذا قفزت إلى ذاكرتي هذه الخلفية التاريخية، وأنا أطالع تقرير عن نسبة تعاطي المخدرات في مصر، والصادم فيها أنها ضعف المعدلات العالمية.

فحين تكون نسب تعاطي المخدرات قد ارتفعت في مصر، إلى 2,4% من السكان، وفق مايقوله مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، وأن يبلغ معدل التعاطي 10.4%، وهو يختلف بين الأفراد، فمنهم من يستخدم المخدرات بشكل يومي، ومنهم من يتعاطاها على أوقات متفاوتة، مع ملاحظة أن 80% من الجرائم غير المبررة تقع تحت تأثير تعاطي المخدرات، مثل جرائم الاغتصاب ومحاولة الأبناء التعدي على آبائهم.. هذه الأرقام طامة كبرى، لاينبغى أن تمر على أجهزة الدولة مرور الكرام.

ويزيد الطين بلة، حين يقر مدير الصندوق أن نسبة التعاطي في مصر ضعف المعدلات العالمية، وأن الإدمان ينتشر في المرحلة العمرية ما بين 15 إلى 60 عامًا، ويزيد بين فئة السائقين 24%، والحرفيين 19%، والأكثر خطورة هو تقدير حجم تجارة المخدرات في مصر بنحو يتجاوز الـ400 مليار جنيه في العام!.

واليوم انتزع الترامادول من البانجو مركز الصدارة في الانتشار، بمعدل 51% من نسبة المدمنين، أما الحشيش فهو رقم واحد بين المتعاطين.. ولا فخر!..

من المؤكد أن مصر مستهدفة في صحتها وشبابها وتاريخها، وأذكر ما قاله لي يومًا الدكتور علي دياب أستاذ تحاليل السموم والمخدرات بالمركز القومي للبحوث ـ رحمه الله ـ أن أول صفقة هيروين تم ضبطها كانت عبر الحدود الشرقية لمصر في صيف 1982، وفي السنة نفسها تم عرض فيلم "العار" الذي تعاطف فيه الناس مع الطبيب "المختل" ورجل القانون "المرتزق من الحرام" عندما "ضاعت" البضاعة في الملاحات!!!

لاجدال أن تجار المخدرات يلعبون لعبة "توم وجيري" مع أي حكومة في العالم، إن طورت حكومة ما وسائل الكشف وضيقت الخناق على تجار السم، يتفنن التجار في ابتكار وسائل بديلة لترويج سمومهم، حتى انقلبت الموازين وصارت الدول والحكومات هي من يطارد وسائلهم المبتكرة، وما إن تكتشفها حتى يبتكر المجرمون وسيلة أخرى.

صحيح قد يقول قائل إن الدولة لم تدخر جهدًا في مكافحة المخدرات، لكن جهودها وحدها لاتكفي ما لم يكن هناك تعاون مجتمعي أكثر قوة وانتشارًا وتأثيرًا، فما إن تم تضييق الخناق على زراعة وتداول البانجو حتى ظهر الترامادول بكثافة، بعد أن عانت الدولة لسنوات سابقة من الهيروين وحقن الماكستون فورت..

واكتفى المصريون بدورهم الساخر في خلع ألقاب على المدمنين والمتعاطين، فمن "الواد بانجو" إلى "الواد ده مبرشم" أو "ضارب دماغ".. كما تغيرت صورة تاجر المخدرات من "حنكورة " و"الدكش" و"حنكش" أبو "لاسة وجلابية" إلى الرجل "الشيك" صاحب الوجاهة الاجتماعية.

حتى حملة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى "أنت أقوى من المخدرات"، بمشاركة نجوم الفن والرياضة، يبدو أنها لاتكفي في مواجهة الانتشار السريع في التعاطي والإدمان، وهو ما يفرض إعادة النظر في الرسالة والوسيلة الإعلامية برمتها لمواجهة الكابوس، إذ أنها لم تؤثر في الجمهور المستهدف، وهم الشباب تحديدًا، ومن الأنسب مشاركة الشباب أنفسهم في صُنع الرسالة الإعلامية حتى تكون أقرب تأثيرًا في الفئات التى يُخشى وقوعها في "حظيرة" التعاطي والإدمان، خاصة المدخنين منهم، حيث يُعد التدخين البوابة الخضراء للوقوع في دائرة الإدمان.

ويظل الوعظ الديني الأقوى تأثيرًا في حياة الناس، وهو ما ينبغي تفعيله لكشف مخاطر تغييب العقل بالمخدرات في حياة الفرد والمجتمع، أيضًا حالة الارتباك الاقتصادي بسبب تعويم الجنيه، وحالة السُعار التى أصابت أسعار السلع والخدمات، سيكون لها مالها في دفع كثيرين للسقوط في وحل المخدرات هروبًا من التفكير في أزماتهم الحياتية، وهو ماينبغي التحسب له أيضًا.

خلاصة القول أن الدولة وإن لم تُقصر في محاربة المخدرات، وتوفر فرصًا آمنة لمن يريدون الخلاص من تعاطيها، ومع ذلك فهي آخذة في الانتشار والتنوع، ولسان حال مروجوها أن "الجو رايق".

على الجميع أن يدرك أننا أمة في خطر بسبب تهديد المخدرات لأعز ما نملك وهم الشباب.. وساعة أن تصل رسالتنا لتُجار المخدرات بأن "في الجو غيم" نكون قد وضعنا أيدينا على أول طريق مكافحة الاتجار وتعاطي المخدرات.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
قصص إنسانية من الأولمبياد

البطولات الرياضية، وفي الصدر منها الأولمبياد، ليست مجرد ساحة لجني الميداليات، بل قد تكون فيها الكثير من القصص الإنسانية، فوراء كل بطل عظيم قصة رائعة..

الناجي الوحيد بعد "انقراض البشر"!

لم يعد الحديث عن نهاية العالم مقصورًا على تنبؤات السينما العالمية، بل إن كورونا ألهبت خيال البشر أنفسهم ودفعتهم إلى توهم نهاية العالم..

قبل أن تصبح أحلامنا لوحات إعلانية!

ربما يستيقظ أحدنا في المستقبل القريب، من دون مرض أو علة، ولسان حاله يقول: أنا مش أنا ، أو قد يراه أقرب الأقربين له بأنه لم يعد ذلك الشخص الذى نعرفه.. دماغه تغيرت.. أحلامه تبدلت

صيام "هرمون السعادة"!

وصفوه بأنه هرمون السعادة ، باعتباره الهرمون الذي يفرزه المخ بعد الحصول على المكافأة ويكون سببًا للشعور بها، لكنهم يصححون لنا هذا المفهوم اليوم، بأن دوره

أنف وثلاث عيون!

هناك قصة شهيرة للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس تحمل هذا العنوان، لكننا هنا نتقاطع مع عنوانها في الاسم فقط، فعيون إحسان عبدالقدوس كن ثلاث نساء تقلب بينهن

أول فندق في الفضاء!

ربما يصبح حلم السفر في المستقبل في رحلات سياحية، بالطبع لدى فصيل من أثرياء العالم، ليس إلى شواطئ بالي أو جزر المالديف أو البندقية، بل إلى الفضاء.. نعم إلى الفضاء، هذا الحلم سيضحى حقيقة فى عام 2027!

الجلد الإلكتروني!

يبدو أن عالم تكنولوجيا المستقبل ستحكمه "الشرائح"، لكن شتان بين مخاوف من شريحة زعم معارضو لقاحات كورونا بأنها ستحتوي على شريحة لمراقبة وتوجيه كل أفعالك،

..واقتربت نهاية كورونا!

لم يحظ لقاح من قبل بجدل مثلما حظي لقاح كورونا، لأسباب كثيرة، أولها السرعة التي تم بها التوصل إليه، على عكس لقاحات لأمراض أخرى، ربما مضى على تفشيها مئات

يوم بدون محمول!

هل فكرت يوما التوجه إلى عملك من دون هاتفك المحمول؟ قد يفكر في ذلك من أنفق عمرًا في زمن الهاتف الأرضي، لكن من نشأوا في زمن المحمول سيرون الفكرة ضربًا من

أيهما الأكثر طرافة .. الرجال أم النساء؟!

على مدى التاريخ تحفل حياة الأمم بسير الظرفاء، وتتسع هذه المساحة لتشمل أشخاصًا خلدهم التاريخ، إما لفرط سذاجتهم كأمثال جحا، أو لكثرة دعاباتهم وكتاباتهم و"قفشاتهم"

إلا المخ يا مولاي!

رغم أن المخ كان ولا يزال لغزًا يحير العلماء، فإن الدراسات ما زالت تتوالى لفهم هذا العضو الرئيسي في الجهاز العصبي لدى الإنسان، والذي يتحكم في جميع الأنشطة

عبيد مايكروسوفت!!

في عام 1995 نُشرت رواية بعنوان "عبيد مايكروسوفت" تشبه تمامًا رواية جورج أوريل 1984، غير أن الأخيرة ذات أبعاد سياسية، أما الأولى فهي ذات أبعاد تكنولوجية،

الأكثر قراءة