Close ad

"الشباب والسلطة" ٦٠ عامًا بين "بيوت الطاعة والمارقين" (4-5)

17-1-2017 | 18:12

٢٠٠٥ بداية سقوط مبارك.. ولكنه يعاند القدر..

لم تفلح العقود التي حكمها محمد حسني مبارك مع طولها أن تمكنه من أن يجعل شباب مصر في بيت الطاعة.. بل خرجوا عليه وأصبحوا مارقين إلى أن أسقطوه.. فهم الشباب الذين تعلموا في مدارسه وتربوا على إعلامه.. فلم ينجح في لقاءاته المعلبة مع الطلبة.. ولا معسكرات نظامه التثقيفية في أن يجعل ولاء الشباب له، أو حتى حزبه يكون له سند، بل تبخر في ٢٥ يناير ٢٠١١، ذلك الخروج الكبير عليه الذي تطور وتسارع بالمناداة بضرورة رحيله فأيقن وقتها أركان نظامه أن اللعبة انتهت، وجيم الدومينو أغلق، ولابد من إسدال الستار على حقبته إلى أن رحل مبارك في ١١ فبراير ٢٠١١.

ومنذ ٢٥ يناير وحتى ١١ فبراير ارتفع شعار رئيسي في الميدان هو "العيش والحرية والكرامة الإنسانية " وهى الشعارات نفسها التي رفعها أجدادنا بعد يوليو ١٩٥٢، ولكن يبدو أننا لم نحقق أي أهداف على مدى ٦٠ عامًا، وما زلنا ننادي بتحقيق نفس الأهداف، وكان الخروج الكبير على مبارك في يوم جمعة الغضب ٢٨ من يناير ٢٠١١، ولم يتمكن الأمن من الوقوف في وجه هذا الخروج، وانسحبت الشرطة من الميدان، واعتصم المتظاهرون، حتى الرحيل في ١١ فبراير وشهد ميدان التحرير يومًا عظيمًا بنزول أهل مصر للشوارع، وليست تنظيمات أو حركات أو أحزابًا أو ائتلافات تدعي أنها صاحبة الثورة، رافعين أعلام مصر ومرددين هتافات "الشعب أسقط النظام"، في صبيحة يوم الرحيل كان المشهد في ميدان التحرير يؤكد لنا وجود شباب يعشق تراب هذا الوطن فقد قام بتنظيف الميدان من أثر الاعتصام على الأنغام الوطنية، ولم يكن هناك فرق بين غني وفقير، أو مسلم ومسيحي، وبعد أن أشرقت شمس جديدة برحيل مبارك، استيقظنا على صراع جديد على السلطة فمن يحكم مصر؟ فقد بدأت النوازع الشخصية وصراعات ما نسميهم النخبة، ولكنهم ليسوا بنخبة، والطموحات الدفينة والرغبات والشهوات القديمة لجماعة الإخوان في السلطة تطفو على السطح، واختفى الشباب المحب لوطنه من الميدان ليظهر في الميدان كل ما يسيئ لأهداف ٢٥ يناير، ونرى وجوهًا تدعي أنها صاحبة الثورة، وتريد خطف الميدان والحكم.

وبالعودة لسنوات مبارك، فلم تكن سنوات حكمه هادئة، كما يتصور البعض خطأ، فمع بداية حقبة التسعينيات، وبالتحديد موقف مصر من حرب الخليج الثانية، فعقبها اندلعت مظاهرات عنيفة بالجامعة من شباب الطلبة، وكالعادة قمعها الأمن بمنتهى العنف، بل وزادت حركات الاحتجاج الاجتماعي في العقد الأخير من حكمه، وعلى رأسها احتجاجات العمال الذين تضرروا من السياسات الاقتصادية الفاشلة، وضحايا الخصخصة، ومجالس الإدارات الفاسدة، فكانت أسوار البرلمان شاهدًا على احتجاجاتهم، وكذلك أيضاً أحداث المحلة التي أسقطوا فيها صورة لمبارك، واعتدوا عليها بالحذاء، بخلاف ظهور تكوينات جديدة من الشباب خارج نطاق الأحزاب الكارتونية التي تكونت في عصره تتصدى وتهاجم نظام مبارك.

وحتى لايقف مبارك موقف السادات في حواراته أمام الطلبة في الجامعة، سيطر نظام مبارك على الانتخابات الطلابية بالجامعة بكل حيل وأساليب التزوير، وتشكيل أسر موالية للنظام، فمبارك رجل لا يطيق المواجهة ولايقدر عليها، وأتذكر - وأنا أكتب هذه السطور - أن أحد الأصدقاء حالفه الحظ أن يكون في أحد لقاءات الرئيس مع الشباب والطلبة، وفوجئت بعد مرور ما يقرب من أسبوعين أن السؤال الذي ألقاه على مسامع الرئيس وفي حضرته يحفظه بالنص فقلت له: ألم يكن السؤال من أفكارك؟ فأجاب أن الأسئلة يتم توزيعها، ويتم حفظها وإلقاؤها بدون الورقة أنها حقًا علاقات معلبة، ومصنوعة يستخدم فيها نوعية الشباب التابعة، التي لا تفكر، ولا تملك أي رؤية نقدية.

الأشد وطأة أن دولة مبارك دخلت في مرحلة الشيخوخة، فأعمار قيادات نظامه كبيرة، إلى أن بدأ يظهر نجله في الساحة، وهو الآخر لم يكن من الشباب؛ لأنه تخطى عمره هذه المرحلة، ولم يحالفه الحظ، ولم يتمكن من مشروع التوريث والسلطة التي حلم بها، ولكن في حقيقة الأمر كان هو الحاكم الرئيسي للبلاد بشلة السياسات التى كونها عقب أول انتخابات على رئاسة الجمهورية في فمصر، فظهر النجل في الخلفية، وبدا أنه يحرك كل شيء.

ومن الغريب أن يخرج علينا بعض رموز نظام مبارك المتبقية في حوارات صحفية؛ ليقولوا لنا إنه لا يوجد مشروع توريث.. ولكن أحب أن أصدمهم أن جمال مبارك كان هو الحاكم الفعلي لمصر بعد عام ٢٠٠٥، أن مبارك أصبح البرڤان الموجود، وأن شلة أمانة السياسات هي التي كانت تحكم وتدير بشكل فعلي؛ فهم أصحاب النفوذ والحظوة، وبدأت تتخلص من الحرس القديم، وحاول نظام مبارك أن يوهمنا أنه شاب في ربيع عمره، حينما وقف وبجواره شباب الحزب في صورة كارتونية تخالف القدر وتعانده، ولكن لا يستطيع أحد أن يعاند القدر، فقد وصل الرجل لخريف العمر والحكم.

في تصوري البسيط لم يكن لحظات سقوط مبارك في فبراير ٢٠١١ هي الانتخابات البرلمانية في ٢٠١٠، أو ما حدث في تونس وأن العدوى انتقلت لمصر، ولكن لحظة السقوط الحقيقية بدأت رحاها عقب انتخاب مبارك في ٢٠٠٥، وإصراره على أن يكون هو الرئيس ليقال عنه في التاريخ إنه أول رئيس منتخب، وتسطر الصحف مانشيتاتها الحمراء عن مبارك، وكيف فاز في انتخابات نافسه فيها عرائس ماريونت.

لست من هواة استخدام نظرية المؤامرة وأنا أعلم أنها النظرية المحببة لدى النظام والمعارضة في آنٍ واحد.. ولكن أحب أن أقول لهم إن هذه النظرية ضعيفة للغاية في تحليل ما يحدث حولنا والإجابة عن أسئلة لماذا يحدث؟ وكيف حدث؟ ومن المسئول؟ لأنها ببساطة توفر الجهد في التفكير عن التفسير الحقيقي للظواهر وتختزل الإجابة في كلمة واحدة هي المؤامرة.

وينسى من يتبنون هذه النظرية وهم يرددون المؤامرة منذ هزيمة عام ١٩٦٧ أنه من الغريب أن تعلم أن هناك مؤامرة يتم نسجها حولك، وتحدد من هم أطراف المؤامرة، فهذا من الأوجب أن يتم إفشالها، لكن من المدهش أنها تنجح، وأن تقع في الفخ فلماذا تنجح إذن المؤامرة؟

لأنه ببساطة لا توجد مؤامرة تنجح إلا بإخفاق الطرف المتآمر عليه.. نعلم أن لأمريكا أهدافًا ومصالح في صياغة الشرق الأوسط الجديد.. وتجديد اتفاقية سايكس بيكو.. وخلق حدود جديدة ودويلات تقوم على أساس طائفي.. وأعتقد أن زعماء المنطقة كانوا على علم ومعرفة بهذا فلماذا ينجح المخطط؟ لأن الإجابة ببساطة تكمن في هؤلاء أنفسهم في استبدادهم وفساد انظمتهم قبل تآمر الخارج.

وبدلا من أن نقول إن نظام مبارك لا يتبع سياسات رشيدة، وعوائد التنمية بها خلل في التوزيع والوصول إلى الطبقات الضعيفة، وإن هناك فرقًا بين القبضة الحديدية للأمن، والتجاوزات القانونية التي ارتكبتها هذه القبضة، والحفاظ على الأمن من المخاطر، وإن هناك تضبيقًا على المعارضة بأشكال مختلفة، وسياسات خصخصة عصفت بطبقة مهمة في المجتمع، بدلا من أن نفكك نظام مبارك ونحلله، نقول إن ما حدث في مصر مؤامرة، ونحتزل ما حدث ونتباكى على الماضي؛ لمجرد أن الحاضر أشد مرارة.

وتتعالى أصوات؛ لتؤكد أن هناك حركات عميلة للخارج استهدفت هدم مؤسسات الدولة، ولاشك أنني أختلف مع حركات تتبنى نظريات الهدم؛ لأني أميل لعمليات إصلاح شاملة وداخلية لكل مؤسسة، وليس هدم المؤسسات تحت دعوات إعادة البناء، إلا أن الأمر إلى الآن - وحتى كتابة هذه السطور - لم يتجاوز سوى الدعاية السياسية المضادة ضد هذه الحركات، ولم يحرك النظام المصري هذا الملف بشكل قانوني.. لأن اتهامات العمالة تستوجب المساءلة أمام القضاء والمحاكمة، وهو لم يحدث إلى الآن.

أسدل الستار على نظام مبارك وأركانه، ولم تفلح محاولات الطاعة والتعليب المتبعة في أن يستمر في ملكه، و لكن يبدو أن عقلية وطريقة تفكير النظام منذ دولة يوليو لا تختلف، وهو ما ينقلنا للحديث عن حوارات السيسي مع الشباب، فهل هي بيوت طاعة جديدة؟! موضوع الحلقة الخامسة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الصحافة.. الطفل اللقيط.. ينتظر الأب الجديد

"الصحافة هي عبارة عن طفل لَقيط.. يسخرون منه لأنه لَقيط، وكل شويه يبحثون له عن نسب وأب، بينما لا يريدون أن يذكروا أمه الحقيقية وهي الحرية".. كلمات قوية

"الشباب والسلطة" ٦٠ عامًا بين "بيوت الطاعة والمارقين"(٣-٥)

السادات من اللعب بالحركات الطلابية والجماعات الإسلامية .. للصدام والإغتيال

"الشباب والسلطة" ٦٠ عاما بين "بيوت الطاعة .. والمارقين" (٢-٥)

في الجزء الأول من قصة العلاقة بين النظام السياسي في مصر والشباب، استعرضنا التنظيمات السياسية التي اعتمد عليها الرئيس جمال عبدالناصر بعد إلغائه للأحزاب.

"الشباب والسلطة" ٦٠ عامًا بين "بيوت الطاعة والمارقين" (1من5)

العلاقة بين الشباب والسلطة في مصر علاقة شديدة التوتر والخلاف حاولت فيها السلطة عبر حقب مختلفة أن تروض وتصنع تنظيماتها السياسية، بل وتصنع نجومها أيضًا من

البحث عن ثورة

5 ثورات قامت في تاريخ مصر الحديث أو هكذا نطلق عليها ثورات، بدءًا من عرابي ومرورًا بثورتي 1919 و 1952 وأخيرًا 25 يناير و 30 يونيو، وبالنظر في نتائج كل ثورة