Close ad

المشخصاتي المليونير والعالم الفقير

10-7-2016 | 01:17
قدر مصر أن تتكاثر الأقزام على رأسها ويقفزون على كتفها، تتعثر أقدامها في العمالقة وقد تطؤهم وطئًا، مقولة سطر بها فيلسوف الجغرافيا جمال حمدان، واقع مصر الذي لا نزال نعيشه إلى اليوم، ففي المحروسة فقط تجد عالمًا معلقًا في الأتوبيس من الفقر، وفنان لم يحصل سوى على الإعدادية، يصل أجره إلى 25 مليون جنيه عن 30 يومًا فقط.

في بلد لا تهتم بالبحث العلمي، سترى ميزانية مسلسلات رمضان 1.5 مليار جنيه، أعلى بـ 100 مليون جنيه من حصة جامعة القاهرة من الموازنة العامة للدولة والبالغة مليار و400 مليون جنيه.

في بلد النيل فقط، تجد براءات الاختراع التي زادت بنسبة ١٩.٥٪ العام الماضي، غذاءً رئيسيًا للفئران ومرتعًا خصبًا للصراصير، بينما في الخارج ينقبون بإبرة عن كل عقلية حتى باتت برمجة الكومبيوتر مادة أساسية تدرس لطلاب المدارس بدءًا من المرحلة الابتدائية، للتعلق بركب تكنولوجيا المعلومات التي تدر على دول مثل الهند ١٣ مليار دولار سنويًا.

في بلد الأهرامات فقط، تجد أستاذ الجامعة يستجدي عطف الدولة لتمنحه حقه.. ضعف بصره.. وانحنى ظهره في منح العلم لأجيال كرهت العلم، وفضلت تبادل كرة القدم أو التجسد في عبده موتة، أو حتى فارس الجن، والأدهى إن حملة الترويج لإحدى شركات الاتصالات جعلت من بطليّها الملهميّن للملايين لاعبي كرة محترفين، ولا عزاء لـ ٨٢٤ ألف عالم، وخبير مصري بالخارج.

في المحروسة فقط، تجد معيد الجامعة يلف "كعب دائر" على الجامعات والمراكز البحثية، للبحث عن جهاز يعمل لإنهاء رسالته، ويشتري المواد الكيمائية والمعملية على حسابه الخاص، ومعرض للإصابة بالأمراض المسرطنة بسبب توقف أجهزة طرد، أو جهل العمال بطبيعة مواد خطيرة كالكلوروفورم أوالفورمالين.

في أرض الكنانة فقط، يوجد ١٢٥ ألف باحث لو قسمت الميزانية الصافية للبحث العلمي عليهم "بعد استبعاد الرواتب" لنال كل منهم مقدار الزيادة التي أتحفتنا بها الحكومة في بطاقة التموين والبالغة "٣ جنيهات".

في بلد الفراعنة فقط، يطالبك فنان حاصل على 25 مليونًا في مسلسل واحد بالتبرع بجنيه لصالح الفقراء أو المحتاجين؛ برغم أن جزءًا من ثروته يجعل أقل مستشفى عندنا أفضل من "University of Texas Medical Branch at Galveston"

في قاهرة المعز فقط، يبلغ إجمالي رواتب 12 فنانًا ربع مليار جنيه، لا تحصل الدولة منهم سوى على 50 مليونًا ضرائب، والباقي "حلالًا بلالًا" بدون عناء أو كبد.

في مصر فقط، تلغي الدولة الضريبة الاستثنائية والمعروفة إعلاميًا باسم "ضريبة الأغنياء"، والتي جرى احتسابها بواقع 5% إضافية على الدخول التي تتجاوز مليون جنيه، وفي ذات الوقت تشكو "ضيق اليد" وتكبل المواطن الفقير، بمزيد من إلغاء الدعم، ورفع أسعار الخدمات.

في برلماننا فقط، تدور المعركة حول كيفية إجبار الدولة على الالتزام بالدستور، ورفع موازنة البحث العلمي والتعليم والصحة، وسط اعتراض حكومي دون نظرة -ولو بطرف العين- لتقرير التنافسية العالمي 2014 /2015 الأخير، الذي شهد تراجع ترتيب مصر من المركز الـ127 في البحث العلمي إلى المركز ١٣٥ من بين ١٤٥ دولة.

عندنا فقط تدفع الشركات الملايين على الإعلانات، ولا تدفع قرشًا للبحث العلمي، وتطوير الأعمال والابتكار، حتى جاءت بالشركات المصرية في المرتبة 133 من بين ١٤٠ دولة في الإنفاق على أبحاث التطوير والابتكار.

ملهمونا فقط هم لاعبو الكرة والفنانون، وليس أحمد زويل، أو فاروق الباز، أو مجدي يعقوب، أو مصطفى السيد، أو عصام حجي، أو أبوبكر الصديق بيومي، أفضل عالم رياضيات في العالم لعام ‏2010‏، أومجدي بيومي، مدير “مركز الدراسات المتقدمة في علوم الكومبيوتر في الولايات المتحدة، وسمير أبانوب واضع البرنامج الصحي للرئيس أوباما، وشريف الصفتي الذي رشحته اليابان لنيل نوبل في الكيمياء لعام ٢٠١٣، وهاني مصطفى من أكبر العلماء في هندسة صناعة محركات الطائرات عالميًا، وإبراهيم سمك الملقب بالفرعون الذي أضاء أوروبا، ومحمد عبده الفائز بجائزة "أينشتاين" للعلوم،. ومحمد صوان أحد العلماء القلائل في مجال طاقة الاندماج النووي وغيرهم من ٨٦ ألف عالم مصري في الولايات المتحدة وكندا واليابان.

لدينا فقط وحصريًا، شروط مختلفة للنجاح والبقاء، فيجب أن تكون لاعبًا لا عالمًا، مغنيًا لا أكاديميًا، راقصًا لا مربيًا، أراجوزًا لا مبتكرًا، متبعًا لا مبتدعًا، سبكيًا لا مفكرًا، رمضانيًا لا عبقريًا، وطالما نحن كذلك فستظل عقولنا الفذة طريدة، تبحث عن حظ العالمة أو زهر أحمد شيبه.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
أغلقوا كليات الإعلام

ما دمت أنا مقدم البرنامج.. فأنا البرنامج.. أنا من فيه.. انا ما فيه.. أنا السماعة والمايك والكاميرا.. بل أنا الاستوديو والضيف والمحلل.. بل أنا أنتم أيها

احترموا ذلك القميص

احترموا ذلك القميص الطاهر الذي يصدر منه كل شيء.. "احترموا قميص الفلاح".. ستتحطم كل الأصنام الأخرى.. عليكم أن تؤمنوا بالفأس.. ضرباتها في الأرض هي الأصل.. هي مصدر الحل لجميع مشكلاتكم الاقتصادية".

فضيحة القطن

دفع محمد أبوسويلم جزءًا من جسده للدفاع عن محصوله من القطن، تمسكت يداه بعيدانه القوية المتشبسة بالأرض، لم يعبأ بسحله، أو الكرباج الذي يحول ظهره لخيوط من

كوب لبن لكل طفل.. حلم لناصر "اغتاله" مصيلحي

عرف المصريون لأول مرة أن هناك ما يسمي باللبن المبستر مع إعلان كاريكاتوري يحمل عنوان "غلطانة".. بحثوا عن رمسيس الثاني الذي ترك موقعه بباب الحديد بوسط القاهرة

أرواح وأموال تحت عجلات القطار

لا يعرف أمراض السكك الحديدية بمصر إلا الذين ابتلاهم الله باستقلالها يوميًا، ليشهدوا بأعينهم الانهيار المستمر لأهم مرفق حيوي، وثاني أقدم خط حديدي في العالم بأسره.

فقراء بلا أسلحة

في ٢٠١٦، "محارب" لم يحمل بيده سلاحًا أو يقف على جبهة.. معركته متواصلة مع عدو متجدد باستمرار.. يتلون كالحرباء.. إنه المواطن الذي يخوض معركة شرسة مع الأسعار،

حكومة فوق جناح دجاجة

لفهم قرارات الحكومية المصرية تحتاج إلى كتالوج طويل، يساعدك على كشف التناقضات، وتفسير المبررات، والبحث عن تأويلات، دون أن تجد من أي مسئول حكومي أي توضيحات

الحب في زمن الدولار

لم يعد الدولار شبحًا يؤرق الاقتصاد المصري على المستوى الكلي، بل بات "شيطانًا" يقطن البيوت مشعلًا الخلافات، فلا جدال إلا عن الإنفاق، ولا تفكير سوى في الترشيد،

"تعويم" الأرض

لا يشغل أصحاب الياقات البيضاء من المسئولين بالهم بالفلاح كثيرًا، إنه طرف ضعيف في تركيبة المجتمع، تعود على الصمت، فلا نقابة قوية تعبر عنه، ولا الوزراء ونواب

رقم 13 بين تعويم الجنيه و"إغراق" المواطن

يبدو أن قدر الاقتصاد المصري أن يظل مقترنًا بالرقم 13 بصفاته التشاؤمية الكاملة، فبعد 13 عامًا من تعويم الجنيه ينتظر المحافظ رقم 13 للبنك المركزي المصري

وما المواطن إلا قطعة شطرنج!

كقطعة شطرنج تعامل مسئولو الحكومات السابقة مع المواطن.. وضعوه في خط الدفاع الأول.. لأنه من السهل "التضحية" بصف من "العساكر" للحفاظ على القطع الأكثر ديناميكية

كيف نقضي على الدائرة الشيطانية للدولار؟

كحصان جامح يسابق سلحفاة، يواصل الدولار الركض أمام الجنيه المصري بالسوق السوداء، مخلفًا وراءه سيلًا من الغبار يكسو وجوه المسئولين، عن السياستين المالية والنقدية في مصر.

الأكثر قراءة