Close ad

رمضان فى قريتى زمان (2)

18-6-2016 | 15:59
حتي بداية الثمانينيات، كانت دار الإفتاء المصرية مازلت تتبنى الرؤية الشخصية للهلال، وإن كان كل مفتي له اجتهاده، مرة يعتمد على رؤية أحد الدول الإسلامية القريبة التي نشترك معها في جزء من الليل -وبالذات السعودية- فنبدأ الصيام معها، ومرة يعتمد على الرؤية بالعين المجردة فوق جبل المقطم، بدون أجهزة او مراصد.

وفي أحد السنوات تعذرت رؤية الهلال، ونام الناس على أن الغد هو المتمم لشهر شعبان، وفجأة أعلنت دار الإفتاء في منتصف الليل أن غدًا هو بداية الصوم، وأن الهلال تم رصده أخيرًا بعد متابعة طوال اليوم.

وحيث إن أجهزة التليفزيون كانت قليلة في القرية، فضلًا عن أن الفلاحين يخلدون للنوم مبكرًا، فقد استيقظ أهل القرية من النوم، وتناولوا الإفطار وشربوا الشاي، ثم اتجهوا إلى أعمالهم، وفي أيديهم لفافات السجائر، لتصل إليهم الأخبار متأخرة أن اليوم هو بداية شهر رمضان.

واستقرت أمور رؤية الهلال بعد تولي المرحوم الشيخ سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق منصب الإفتاء، حيث تم الاعتماد تدريجيًا على الحسابات الفلكية، التي يتم تعزيزها بالرؤية البصرية؛ لتنتهي أزمة كانت تتكرر في أول شهر رمضان وآخره.

ومع قدوم رمضان، يبدأ الصغار في الصوم كتدريب لهم قبل سن التكليف الشرعية، وتجري بين الأطفال مناوشات لتأكيد كل واحد لزملائه أنه صائم. لا تكفي الحلفانات والأيمان، فقد اعتاد الأطفال في القرية أن يتأكدوا بأنفسهم عمن هو صائم أو مفطر من الأصدقاء، والاختبار بسيط، فقط أن يخرج الطفل لسانه؛ ليتفحص أصدقاؤه لونه، فإذا كان يميل للبياض وجافًا فهو دليل على أنه صائم واجتاز الاختيار بنجاح، أما أذا كان ريقه يجري ولسانه أحمر اللون، فالويل له من سخرية زملائه، والتي تمتد لزفة صاخبة، يصحبها غناء شعبي "يافاطر رمضان يا خاسر دينك، كلبتنا السودا هتقطع مصارينك".

في نهار رمضان كانت الجزيرة التي تتوسط مباني القرية هي ملتقى الأطفال والشباب، في انتظار مدفع الإفطار، وحيث إن مساجد القرية لم يكن بها كهرباء، وكانت تستخدم الكلوبات التي تضيء عن طريق الراتجه، وهي شاشة بيضاء ملفوفة بشكل أسطوانى، ومغموسة في النفط، فقد كان الأطفال يتجمعون قرب المسجد الرئيسي، ويترقبون أذان المغرب الذي يرفعه مقيم الشعائر العجوز، وبمجرد ترديده الله أكبر، ينطلق الأطفال في الصياح للتنبيه بأن الإفطار وجب.

ولتأكيد دخول وقت الإفطار كانت تستخدم قوالب من الطوب التي يتم حفرها من أرضية ساحة القرية وتجهيزها لإلقائها على الأرض بعنف لتحدث صوتًا يساعد على نشر أذان المغرب.

ولم يكن كل الأطفال ماهرين في إلقاء الطوب، فكان بعضه يتجه لأعلى أو يمينًا أو يسارًا ليحدث إصابات دامية في رؤوس زملائه الواقفين بجواره. تكفيها قبضة صغيرة من البن توضع على الجرح لوقف النزيف، ويستمر اللعب.. وكله يهون من أجل رمضان.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
رمضان في قريتي زمان

فى منتصف الثلاثينيات من القرن الماضى، كانت وسائل التواصل بين القاهرة والريف المصرى تمر عبر اسلاك التليفون، وحيث ان القرية لم يكن بها اى جهاز تليفون فى

الأكثر قراءة