لا تزال جوانب كثيرة فيما اصطلح على تسميته بـ"فضيحة" رجل الأعمال الجزائري الهارب عبد المؤمن خليفة، خافية على المتابعين، وما تلبث أن يخفت الاهتمام بها حتى يبدأ من جديد، حتى جاء إعلان لندن اليوم الثلاثاء، تسليم خليفة للسلطات الجزائرية.
وخليفة، الذي تتلاقى فصول كثيرة من قصته مع قصص شركات توظيف الأموال المصرية، تقول عنه صحيفة الشروق الجزائرية، إنه على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على تفجر هذه الفضيحة، ظل المسئول الأول عن الصرح الاقتصادي الجزائري المنهار - مجموعة الخليفة، رفيق عبد المؤمن خليفة، فارا من العدالة الجزائرية، التي حكمت عليه غيابيا بالمؤبد.
لم يكن رفيق عبد المؤمن خليفة رجلا عاديا، فقد ترعرع في أحضان عائلة تقلبت في نعيم النظام، فوالد رئيس المجمع المنهار، خليفة لعروسي، كان رئيس ديوان وزير التسليح والعلاقات العامة في الحكومة المؤقتة ومؤسس المخابرات الجزائرية، الراحل عبد الحفيظ بو الصوف، كما تقلد حقائب وزارية منها الصناعة، تكريما له بعد أن شق عصا الطاعة على "ولي نعمته" في "المالغ" والتحق بغريمه الرئيس الراحل هواري بومدين بعد 1962.
عندما انخرط رفيق عبد المؤمن خليفة في مجال الأعمال، لم يكن سوى أحد الورثة في صيدلية تركها والده للعائلة، ببلدية الشراقة غرب العاصمة، ومع ذلك بدأ نجمه يسطع بشكل مشبوه، ولم تتجرأ السلطات المعنية بمراقبة مثل هذه "الشبهات" على مساءلة رجل الأعمال الشاب، الذي بات اسمه مرادفا للنفوذ وملازما للاعتقاد بعلاقاته المتشعبة مع الشخصيات التي بيدها مفاتيح الحل والعقد في هرم الدولة، ولذلك لم يعد خائبا من كل الغارات التي شنها على المال العام في جل مؤسسات الدولة.
وفي عام 1998 تم تأسيس بنك الخليفة عام 1998. وقبل مضي عام واحد على الإنشاء، انتشرت فروعه عبر ولايات الجزائر المختلفة. واتسم البنك بفائدته المرتفعة على الودائع، بحيث تخطت نسبة 17% مقارنة بفائدة البنوك الرسمية التي كانت تتراوح حينها بين 6 و7%؛ وهو ما شجع المتعاملين على إيداع أموالهم لدى البنك. ومع الإقبال أصبح البنك غير قادر بعد فترة على سداد فوائد المودعين، لكن ذلك لم يكشف الفضيحة كما يحصل مع شركات توظيف الأموال. وأبرم البنك اتفاقا مع شركة الخطوط الجزائرية في مطلع عام 2002، وأصبح للخليفة أسطول جوي يضاهي أسطول شركة الطيران الحكومية.
وفي هذا المجال أبرم الملياردير الشاب عبد المؤمن -الذي لم يتجاوز عمره آنذاك 34 عاما- صفقة مع شركة إير باص الفرنسية كانت وراء كشف ما وصف بأكبر عملية نصب واحتيال، ربما في العالم العربي.
فعندما طلب الخليفة شراء 10 طائرات من (إير باص) شرعت السلطات الفرنسية المعنية بالتحري عن مصادر الأموال المودعة في البنوك الغربية، وذلك بموجب قوانين مكافحة الإرهاب التي تم إقرارها عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة. واكتشف التحقيق الفرنسي أن الأموال المودعة في حساب "إير باص" هي أصلا لمودعين وليست ملكا للخليفة.
وتضيف الصحفة الجزائرية سياسة غض الطرف تجاه المجمع المنهار كانت السمة البارزة في تعاطي السلطات معه، فبالرغم من إسراف الخليفة في بعثرة أموال الجزائريين، بمنحه مبلغ 90 مليون فرنك فرنسي (9 ملايير بالعملة الجزائرية) لفريق أولمبيك مرسيليا الفرنسي، وإسرافه في الإنفاق على حفل وصف بـ"الخرافي" في 3 سبتمبر 2002 بمدينة كان الفرنسية، حضرتها ملكات جمال العالم والفن مثل كلوديا شيفر وناعومي كمبل وستينغ وبونو وكاترين دونوف وجيراد ديبارديو وميلاني غريفيت وباميلا أندرسن.. وتفننه في شراء ذمم الشخصيات المؤثرة في مجال السياسية والإعلام، إلا أنه بقي متحررا من عيون الرقابة.
وعلى هذه الشاكلة سارت إجراءات معالجة القضية على مستوى العدالة، فقرار الإحالة لقي انتقادات شديدة من طرف موكلي المتهمين، ورئيسة محكمة الجنايات فتيحة براهيمي، طمأنت الشخصيات النافذة ببقائهم شهودا.
وحضر الوزير الشاهد مراد مدلسي الذي كان يوم تفجر الفضيحة وزيرا للمالية ليقول إنه "لم يكن ذكيا بالشكل الكافي وإلا لتصرف بصورة مغايرة"، ووصلت الجرأة بعبد المجيد سيدي السعيد إلى القول إنه يتحمل مسؤولية التوقيع على محضر مزور كبد الخزينة العمومية مائة مليار من ادخارات الجزائريين، وقال مسيرو المؤسسات الوطنية التي أودعت أموالها ببنك الخليفة إنهم تصرفوا بطريقة تجارية.. وهكذا أدرجت الرشاوى في خانة الحوافز لتحسين صورة المجمع المنهار عند الزبائن والمتعاملين..